الأربعاء، 10 أبريل 2013

منهجية الجامعة:

باسم الله الرحمان الرحيم


بعد أن قدمنا للطالب في مستواه الإعدادي كل ما يلزمه من علوم عملية لتربية قلبه وفكره وضبط كل معاملاته ثم ركزنا في الثانوي فوق هذا على دروس أولوية لبناء عقل الطالب حتى يكون ليس مسلما فقط بل إسلاميا يومن بالكتاب كله ، وبكل سنية : لأن بناء الإيمان الحق لا يمكن أن يكون تاما دون بناء عقل المسلم وتصفية قلبه وروحه بكل ما أتى به القرآن الكريم والسنة الشريفة دون نقص:

لذا سنركز في الجامعي والإختصاصات:
 على إتمام هاته المهمة الجليلة بإطلاع الطالب على كل ما تبقى له من علوم إسلامية سواء منها الفقهية أو الفكرية/العلمية ، حتى لا يجزء ديننا الحنيف ويكون ملما فقط ببعض جوانبه ظانا أنها كل الإسلام ، فيسقط من حيث لا يعلم في نقمة قوله تعالى : أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟..
بل وحاولنا أن نقدم كل البدور العلمية اللازمة ليكون الطالب مومنا عاملا بالإسلام كله ..
بل وذو مشروع حضاري علمي كامل للتدافع المستقبلي..
وأصيل لكن نابذ للظلامية والرجعية ..
ومعاصر لكن دون ذوبان ولا إستلاب..
 بل ومتدافع بكل حضارة وتتفتح ، ودون أن تشوب فكره ولا نفسيته أية شائبة من شوائب الإنحلال أو الضلال أو التطرف العلمانوي أو الإسلاموي أو التسلفي على السواء..
ومومن بأن البديل الإسلام إصلاح للفرد والمجتمع والأمة وكل العالم والإنسانية ..
وبحكمة الطبيب المداوي لا القاضي المعاقب ولا الجندي المحارب إلا لضرورة .. 
ولا السياسي الذي تنسيه الواقعية مبادءه..
فذاك القصد وعلى الله التكلان .
واللهم وجهك الكريم يا كريم.

المقررات الجامعية

باسم الله الرحمان الرحيم

القسم الثالث جامعي
إختصاصات تجديدية عليا

واللهم صل على محمد كما صليت وتصلي وستصلي عليه
وعلى آله والصحب
سبحان ربك رب العزة عما يصفون 
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين




القسم أول جامعي

القسم الثاني جامعي

القسم الثالث جامعي

أهم صفات الداعية


أهم صفات الداعية:

الأولى: الإخلاص والتقوى:



إن دعوة الإسلام ليست كأي دعوة من الدعوات التي يكفي فيها أن يتحدث الإنسان عن دعوته، دون أن يكون مؤمناً بها مخلصاً لها. عاملاً بصدقٍ بمبادئها.



إن دعوة الإسلام تشترط على أصحابها، أن يكونوا أتقياء في أنفسهم، صادقين في دعوتهم، مخلصين في نياتهم،كي يحققوا نجاحهم في دعوتهم، وينالوا أجرهم عند ربهم.



وهذا شرط في كل عمل من أعمال الإسلام، ومن أجلّها الدعوة إلى الله تعالى.



قال تعالى: {أَلاَ لِلّهِ الدّينُ الْخَالِصُ} (الزمر/ 3)



وقال سبحانه: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (الزمر/ 11)



وكلما كان الإخلاص أصدق، والإيمان أقوى، كان التوفيق أعظم، والأجر أكبر.



والتقوى لازمة للداعية، لزوم الماء للشجر، والروح للجسد، وهي العمل بدين الله ظاهراً وباطناً، وبخاصة فيما يدعو إليه، وإنّ امرءاً لا يعمل بما يدعو إليه، حري أن لا يوفقه الله عز وجل إلى ذلك، ولا يقبل منه عمله.



قال تعالى: {إِنّمَا يَتَقَبّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتّقِينَ} (المائدة/ 27)



ولأهمية التقوى: جاء الخطاب بتقوى الله مفرداً بسيد الدعاة رسول الله ? في أول سورة الأحزاب {يَا أَيّهَا النّبِىّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (الأحزاب/ 1)



ولا شك أن الأمة كلها مطالبة بهذا، لكن توجيه الخطاب للنبي ? له مقصود كذلك.



وبالتقوى، يحصل توفيق عظيم، وسداد للأقوال، وإصلاح للأعمال.



قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (الأحزاب/ 70- 71)



وبالتقوى يعين الله الداعية، ويهبه ملكة التفريق بين الحق والباطل.. والخلاص من المواقف المحرجة.. فضلاً عن تكفير سيئاته، ومحو زلاته.



قال تعالى: {يِا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إَن تَتّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الأنفال/ 29)



وفضلاً عن هذا كلِّه؛ فإن لتقوى الداعية أثراً بالغاً في المدعوين، فإن النفوس جُبلت على قَبُول دعوة الصادق، والنفور من دعوة الكاذب، ولا مقياس للصدق والكذب عند معظم المدعوين إلا أفعال الداعية، ومطابقتها لما يدعو إليه.



فإن العمل بما يُدعى إليه، يوحي إلى الناس صحة الدعوة، وصدق الداعي، مما يُورث القَبُول عندهم.



وعدم العمل بالعلم، وما يدعو إليه الداعية، يوحي إلى الناس فساد الدعوة، وكذب الداعي، مما يُورث النفور و الاستهجان.



ولهذا كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، متنبهين أشد التنبه لهذا.



فكان أحدهم -وهو نبي الله شعيب? يقول لقومه?: {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىَ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (هود/88)



بل إن الأنبياء والرسل جميعاً، كانوا يتصفون بالصدق قبل بعثتهم، وما صفة الأمين التي وُصِفَ بها النبي ? قبل بعثته بغائبة يومئذ عن أذهان العرب[1] وكذلك قول قوم صالح لصالح: {يَاصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هََذَا} (هود/ 62)



فهي شهادة من أعدائه بصدقه، وعلوِّ منزلته فيهم قبل البعثة.



هذا من جهة المدعوين، وأما من حيث ربُّ الدعوةِ والمدعوين وأجره، فإن للداعية العامل بما يدعو إليه أجراً عظيماً عند الله.



وقد سبقت الأدلة على ما للداعية من أجر عظيم على دعوته، وإخلاصه في باب فضل الدعوة، مما لا حاجة لتكرارها.



وكما أمر الله عز وجل بالعمل بما يدعو إليه الداعية، حذر من مغبة عدم العمل بما يدعو إليه.



قال تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}(الصف/ 2- 3)



وقال r :"يُجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برَحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه"[2].



فحري بالداعية أن يكون تقياً، كيما يقبل الناس دعوته، ولكي يقبل الله عمله.



وأي ثمرة يجنيها الداعية - إذا لم يكن تقياً - واستجاب له كثير من الناس، ثم جاء يوم القيامة صفر اليدين، قد أبطل الله عمله، لعدم إخلاصه، وقلة تقواه.



وفضلاً عما للتقوى من أثر في التوفيق، وأجر عند الله.



فإن التقوى من أعظم عوامل الثبات على الطريق في وجه الأعاصير، ومن أقوى دروع وقاية الداعية من كيد الأعداء.



قال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ لاَ يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} (آل عمران/120)



وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنّ فِى أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوَاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ}(آل عمران: 186)



فجعل سبحانه الصبر والتقوى أهم أسلحة الداعية في مواجهة الفتن، والثبات على الحق.



الصفة الثانية:العلم والفقه بما يدعو إليه:



إن من أعظم ضروريات الدعوة إلى الله تعالى أن يكون الداعية عالماً بعامة، مدركاً لما يدعو إليه ، فقيهاً فيه بخاصة.



قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 108)



والبصيرة أخص من العلم العام، وفيها معنى زائد عليه، فهي تعني: البينة والإدراك، و الوضوح، والفهم، واليقين..[3]



ومن البصيرة؛ أن يدرك الداعية عوقب الأمور ، وأن لا يغفل عن النتائج في أقواله وتصرفاته.



قال ابن تيمية: (فلابد من هذه الثلاثة: العلم، والرفق، والصبر، العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده، وإن كان كل من الثلاثة مستصحباً في هذه الأحوال؛ وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعاً؛ ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد: "لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به؛ فقيهاً فيما ينهى عنه؛ رفيقا فيما يأمر به؛ رفيقاً فيما ينهى عنه؛ حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه")[4].



فالفقه قبل الأمر، ليعرف المعروف وينكر المنكر، وهذا شرط من شروط الدعوة إلى الله، وواجب من واجبات الداعية أن يكون الداعية مدركاً لما يدعو إليه، متحلياً بالفطنة، متسلحاً باليقين، ثابت الخطوة، واضح الرؤية في دعوته، ومدعويه، وفيمن حوله من أصدقاء وأعداء ، وما يقع من أحداث.. ، فكل هذه المعاني تتضمنها ((البصيرة)) فهذا الشرط الذي ألزم الله به الدعاة في دعوتهم.



ولهذا؛ فلا يجوز للمسلم أن يدعو إلى الله إلا بعد أن يحمل قدراً من العلم يكفيه في دعوته، وفهماً ووضوحاً ينير له طريقه.



فالعلم يسدد له مسيرته، والفهم يوضح له رؤيته، فمن لم يحمل العلم في دعوته انحرف، ومن لم يكن على بصيرة تعثر.



وفضلاً عن هذا، فإن للداعية بغير بصيرة إثماً عند الله،.. لمخالفة أمر الله، ولأن فاقد البصيرة (العلم والفهم) لا يُضل نفسه فحسب، بل يُضل معها غيرها ممن يدعوهم.



{وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِى اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّبِعُ كُلّ شَيْطَانٍ مّرِيدٍ} (الحج: 3)



فلربما جعل الأمر نهياً، والنهي أمراً، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والسنة بدعة، والبدعة سنة.



ولربما دعا إلى أمر غير مشروع، باسم الدين، كمن يخرج على الحاكم المسلم العاصي، وكمن يعلم الناس الضلال والابتداع باسم الدين، كالخوارج والمعتزلة، وغلاة الصوفية والروافض.



ولذلك حذر الله من أمثال هؤلاء فقال سبحانه:



{وَإِنّ كَثِيراً لّيُضِلّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: 119)



وقال تعالى: {وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (لقمان: 6)



وقد عدّ الله كل قول بغير علم افتراءً، فكيف إذا كان في الدين والدعوة إليه.



قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء:36)



وقال سبحانه بعد أن عدّد بعض أقوال الكافرين وأفعالهم الكفرية قال: {قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوَاْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَآءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} (الأنعام: 140)



وقال تعالى: {قُلْ إِنّمَا حَرّمَ رَبّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33)



ولذلك أمر رسول الله ? من سمع مقالته أن يعيها حين يبلغها، فقال ? "نضر الله امرءًا سمع منا شيئا فبلغه كما سمع، فرُبَ مبلغ أوعى من سامع"[5].



ولأهمية هذا؛ عقد الإمام البخاري باباً في صحيحه ((باب العلم قبل القول والعمل))، فإن العلم يسدد القول، ويصوب العمل.



قال العسقلاني: ((قال ابن المنير: أراد به: أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما)) [6].



قال أبو حيان الأندلسي: ((لأن الدعاء إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لا يصلح إلا لمن علم المعروف والمنكر، وكيف يرتب الأمر في إقامته، وكيف يباشر، فإن الجاهل ربما أمر بمنكر، ونهى عن معروف.. وقد يغلظ في مواضيع اللين، وبالعكس))[7].



ومن الجدير بالعلماء تنبيه الناس في هذا المقام إلى أمرين:



الأول: أن الحفظ غير الفقه، وأن البصيرة درجة زائدة على العلم، فإن كثيرًا من الناس يظنون: أن مجرد الحفظ هو العلم، وهذا هو الذي أوقعهم في التعالم، ودفعهم إلى التقول على الله مالم يقل، وإصدار الأحكام التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهو يظن بحفظه هذا، أنه عالم بل علامة.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فرب رجل يحفظ حروف العلم التي أعظمها حفظ حروف القرآن، ولا يكون له من الفهم..))[8].



فليس كل حامل علم يحمل فقهاً، وبصيرة، فحمل العلم شيء، والفقه فيه، والبصيرة بإعماله شيء آخر.



الثاني: التنبيه إلى الفرق بين العلم وبين التعالم، أو بين العالم والمتعالم، والتأكيد على ذلك في الدروس والخطب واللقاءات[9]



فإن كثيراً ممن يَدْعون ويَضلون ويُضلون يظنون أنهم علماء، وهم متعالمون، وذلك لعدم تفريقهم بين العلم والتعالم، كالخوارج، والمعتزلة، والجهمية، وإخوانهم من كل فرقة، ولذلك يجب التركيز في دروس العلماء على بيان الفروق بين العلم والتعالم، وبين العالم والمتعالم، فإن كثيراً منهم أصحاب نيات حسنة، فلعلهم يرجعون.



ومن الجدير ذكره - قبل نهاية هذا الباب -: أن شرط العلم، ليس على إطلاقه؛ بأن يكون كل داعية عالماً بجميع العلوم.



كلا، بل الشرط أن يكون الداعية عالماً فيما يدعو إليه.



وكلما كان الداعية أعلم، كان أفضل، ورُبَّ داعية عنده بصيرة وعلم فيما يدعو إليه، خير من عالم نحرير فاقد للبصيرة.



والمقصود بالعلم العام -الذي أُلمح إليه في أول هذا الباب -أن يكون لدى الداعية علماً عاماً بالتوحيد، وأنواعه، وأركان الإيمان، والإسلام، وأسس الدين وأصوله العامة، كالاتباع والابتداع، ومعنى العبادة وأنواعها، وأحكامها وجوباً ونفلاً.. ومعرفة الأحكام الخمسة وتعريفها..: الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح، وما شابه ذلك.



وإذا تعين على المسلم بيانُ أمر، أو النصحُ به، أو الأمر به، أو النهيُ عنه، وكان يعلمه علماً صحيحاً، وجب عليه أداء الأمانة على قدر ما علم، ولا يشترط في الداعية أن يكون عالماً مطلقا، ولا أن يعلم تفصيل ما سبق.



الصفة الثالثة للداعية:الصبر والحلم:



إذا كان العلم شرط الداعية إلى الله، وسبباً في سداده، فإن الصبر عتاده وسلاحهُ، ولا قتالَ بلا سلاح، ولا مواجهة بلا عتاد.



وإذا كانت البصيرة واجبة على الداعية، وهي نوره في دعوته، فإن الحلم وقوده وزاده.. ولا سير بلا وقود، ولا حركة بلا زاد.



ومن قاتل بغير سلاح فشل.. ومن سار بغير وقود انقطع..



لأجل هذا كان من أوائل ما نزل على رسول الله ?، الأمر بالصبر مقروناً بالدعوة إلى الله {يَأَيّهَا الْمُدّثّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ* وَرَبّكَ فَكَبّرْ* وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ* وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ* وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ* وَلِرَبّكَ فَاصْبِرْ} . (المدثر: 1-7)



وقال r : "وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر"[10].



والصبر في باب الدعوة إلى الله يعني: ضبط النفس على الاستمرار في طريق الدعوة مهما لاقت، وحبسها عن الإساءة للمدعوين قولاً وفعلاً، والصبر يعني: عدم الانتقام حين الأذى، وعدم الانقطاع عن الدعوة حين الملل، وعدم اليأس حين الفشل.



وبعبارة أخرى: عدم الاستجابة لردود فعل النفس، والتسرع في التصرف حيال المواقف.



لذا كان القرآن والسنة حافلين بالاهتمام بالصبر، لما له من أثر كبير في استمرار الداعية، وعدم نفور المدعوين.. وقبول الدعوة إلى الله تعالى.



ولذلك عدَّ الله سبحانه الصبر مع التقوى من عزائم الأمور، قال تعالى:{وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ} (آل عمران: 186)



بل جعل الله الصبر على الأذى من منهج الأنبياء، فقال سبحانه عن الأنبياء: {وَلَنَصْبِرَنّ عَلَىَ مَآ آذَيْتُمُونَا} (إبراهيم: 12)



ومن المعلوم أن نقيض الصبر؛ التضجر والانقطاع.. ومن تضجر نفر الناس منه، ثم انقطع عن دعوته، فخسر نفسه والمدعوين معه.



ويا ليت الأمر يقف عند هذا الحد، ولم يتسرع في تصرف بسبب فقدانه الصبر، ربما انعكس على الدعوة بالسوء، والتراجع.



ومن لم يصبر ويحلم عمن آذاه انتقم لنفسه، ومن انتقم لنفسه، خسر نفسه ودعوته، وأجره عند ربه.



ولذلك قرن الله بين الصبر والحلم والعفو، وعد ذلك من عزم الأمور، فقال سبحانه:



{وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ} (الشورى: 43).



وقال تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَدُوّ للّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِيمَ لأوّاهٌ حَلِيمٌ} (التوبة: 114)



والحلمُ شعبةٌ أساسٌ من شعب الصبر.



قال أهل اللغة: الحلم: الأناة والعقل، وحَلُم: تأنّى وسكن عند غضب، أو مكروه، مع قدرة، وقوة.



والحليم: الذي لا تستخفه الأفعال المؤذية، ولا يستفزه الإغضاب [11].



وقد أفاد العلماء: أن العلم والفقه، يكونان قبل الدعوة، ليكون الداعية ذا بصيرة قبل أن يخطو في دعوته، حتى لا يزل.



ويكون الصبر، أثناء الدعوة، لكي يتحمل ردود فعل المدعوين، من أذى واتهام، ولكي يستمر في دعوتهم، ولا يتضجر منهم، ولا ينقطع عنهم..



ويكون الحلم بعد الدعوة، كي لا يحقد على من سخر منه، أو استخف به، ولا ينتقم ممن آذاه.



بل على الداعية أن يتوقع الأذى، وأن يعد له عدته من الصبر والحلم، فهذه هي عزائم الأمور، لا غير ذلك من التضجر والحقد، ومد اليد والانتقام التي هي سبب الخور، والفشل.



لأجل هذا أمر الله الدعاة بالصبر على ما يلقونه من أذى.



قال تعالى حاكياً قول لقمان لابنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىَ مَآ أَصَابَكَ إِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ} (لقمان: 17)



ولما أمر الله تعالى نبيه بالدعوة إليه، أرشده إلى وجوب الصبر فيها، فقال سبحانه:



{وَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} (المزمل: 10)



ونبه الله عز وجل رسوله ? والدعاة من بعده، بما كان من أمر نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام إذ لم يصبر في دعوته فكان من أمره ما كان.



فقال تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ} (القلم: 48) إذ خرج من سعة الدعوة والأنوار، إلى ضيق بطن الحوت والظلمات.



وهكذا شأن كل من لا يصبر على الدعوة إلى الله، ويستبدل سلاح العنف والتطرف والمواجهة، بسلاح الصبر والحلم[12].



وهؤلاء الذين يتعجلون في المواجهة، إنما تعجلوا فيها، لأنهم فشلوا في مجال الدعوة، ولم يصبروا عليها، فتحولوا إلى المواجهة، فكان الفشل أبشع، والنتائج أشنع.



ولم يكتف الله عز وجل بالأمر بالصبر في الدعوة والحلم فيها، بل أمر بمقتضاهما من عدم الرد على أذى المدعوين ، وعدم الالتفات إليهم، قال تعالى: {وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً} (الأحزاب: 48)



أي: امض في دعوتك، وثابر في تبليغك، متوكلاً على خالقك، غير ملتفت إلى عناد المعاندين من الكافرين، وخداع المخادعين من المنافقين، ولا تكترث بأذاهم، ولا تنشغل عن دعوتك بكيدهم.



وهكذا كانت سيرة الأنبياء من قبل، لا يعرفون في سبيل الدعوة إلى الله عنفاً، ولا انتقاماً.. إلا صبراً وغفراناً، ولذا لم نجد نبياً من الأنبياء، واجه - من يدعوهم - بالقوة المادية في مقام الدعوة على الإطلاق، قال تعالى منبهاً نبيه الكريم ومن تبعه إلى ذلك: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ}(الأحقاف: 35)



فهذا نوح عليه الصلاة والسلام، مكث في قومه تلك المدة الطويلة، ألف سنة إلا خمسين عاماً،لم يضرب أحداً، ولم ينتقم من أحد، على كثرة ما أوذي، وعلى شدة ما سُخر منه.



وكذلك الأنبياء؛ إبراهيم ، وموسى ، وعيسى عليهم الصلاة والسلام جميعاً، لم يُعرف عنهم إلا الحلم على الناس، والصبر على أذاهم.



وأما رسول الله ? وصحبه الكرام فقد ضربوا المثل العظيم، والقدوة المثلى في الصبر، والحلم على الذين آذوهم في الدعوة إلى الله تعالى، مع القدرة على أخذ الحق.



فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما ضرب رسول الله ? شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل"[13].



ومن ذلك ما جرى يوم فتح مكة وغيرها من المواقف النبيلة، والأخلاق الرفيعة، من العفو والصفح بل والإكرام، بعد ما فعل أهل مكة بالنبي ? وصحبه ما فعلوا.



ولما كان الاستعجال ناقضاً من نواقض الصبر، فقد حذر الله منه أشد التحذير بكافة أصنافه.



قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لّهُمْ} (الأحقاف: 35)



أي: ليكن الرسل الأولون قدوتك في الصبر على الدعوة إلى الله، وعدم الاستعجال لهم، قال القرطبي: ((ولا تستعجل لهم، قال مقاتل: بالدعاء عليهم، وقيل: في إحلال العذاب بهم))[14] وكذا قال ابن كثير[15].



وقال البقاعي في نظم الدرر: ((ولما أمره بالصبر الذي من أعلى الفضائل، نهاه عن العجلة التي هي من أمهات الرذائل، ليصلح التحلي بفضيلة الصبر الضامنة للفوز والنصر: فقال: (ولا تستعجل لهم(، أي: تطلب العجلة وتوجدها بأن تفعل شيئا مما يسوءهم في غير حينه الأليق به))[16].



قال سيد قطب عند تفسير هذه الآية: ((ألا إنه لطريق شاق.. طريق هذه الدعوة، وطريق مرير، حتى لتحتاج نفس كنفس محمد ? في تجردها وانقطاعها للدعوة، وفي ثباتها وصلابتها، وفي صفائها وشفافيتها، تحتاج إلى التوجيه الرباني بالصبر، وعدم الاستعجال على خصوم الدعوة المتعنتين، نعم، وإن مشقة هذا الطريق لتحتاج إلى مواساة، وإن صعوبته لتحتاج إلى صبر، وإن مرارته لتحتاج إلى جرعة حلوة، من رحيق العطف الإلهي المختوم))[17].



بل ذهب الإسلام إلى أبعد من هذا.. ذهب إلى منع الدعاء عليهم حال الدعوة وعدَّ ذلك صورة من صور الاستعجال، فقد أخرج البخاري عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله ? وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لناr قال: "كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد مادون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلاّ الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"[18]



ففي هذا الحديث العظيم؛ منع استعجال الدعاء - مجرد الدعاء على كفار قريش - وطلب النصر من الله عليهم "ألا تدعو الله لنا، ألا تستنصر لنا".



لأنه يدل على تضجر المسلمين، وعدم تحملهم تكاليف الدعوة.. لذلك لم يستجب لهم رسول الله ? طلبهم وحكم عليهم -لما طلبوا الدعاء-أنهم مستعجلون: "ولكنكم تستعجلون".



ومن أجمل ما يخط هنا -بعد أن خُط في سيرة رسول الله ? العطرة- أن رهطاً من (دوس) قد أسلموا، فدعوا قومهم (دوساً) فأبوا الإسلام، فقدموا على رسول الله ?، فقالوا: إن دوساً عصت وأبت، فادع على دوس، فقيل: هلكت دوس.



قال ?: "اللهم اهد دوساً وائت بهم"[19] فجاؤوا يستبقون إلى الإسلام[20]



فانظر كيف جاؤوه يطلبون الدعاء على قومهم.. فدعا لهم. فهداهم الله، فما أحوجنا -معشر الدعاة- إلى هذا الخلق.



كما حذر الله الدعاة من ردود الفعل، وسلوك مسلك الرعونة، والخفة في الاستجابة لاستفزازات المدعوين، الأمر الذي يتنافى والصبر.



فقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ وَلاَ يَسْتَخِفّنّكَ الّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ} (الروم: 60)



واستفتاح الله عز وجل الآية بالصبر، فيه إشارة إلى اتخاذ الوقاية من الاستخفاف به.



قال البقاعي في تفسيره: ((ولا يستخفنك))، أي: يحملنك على الخفة، ويطلب أن تخف باستعجال النصر، خوفاً من عواقب تأخيره، أو بتفتيرك عن التبليغ))[21]، وقريباً من هذا قال معظم المفسرين.



وقال سيد في الظلال عقب الآية (ولا يستخفنك) ((إنه الصبر، وسيلة المؤمنين في الطريق الطويل الشائك، الذي قد يبدو أحياناً بلا نهاية، والثقة بوعد الله الحق، والثبات بلا قلق، ولا زعزعة، ولا حيرة، ولا شكوك،.. الصبر والثقة والثبات على الرغم من اضطراب الآخرين، ومن تكذيبهم للحق، وشكهم في وعد الله. ذلك أنهم محجوبون عن العلم، محرومون من أسباب اليقين، فأما المؤمنون الواصلون الممسكون بحبل الله، فطريقهم هو طريق الصبر والثقة واليقين: مهما يطل هذا الطريق، ومهما تحتجب نهايته، وراء الضباب والغيوم!))[22].



ومن مفسدات الصبر التي يجب على الداعية أن يحذر منها؛ الغضب، لذا يجب على الداعية أن يحذر منه أشد الحذر، لأنه يفقد الإنسان سيطرته على أفكاره، وألفاظه، وتصرفاته، فيدفعه إلى أفعال تفسد عليه دعوته، وتُنفِّر منه مدعويه.



لذلك نهى رسول الله ? القاضي أن يقضي وهو غضبان.



قال عليه الصلاة والسلام: "لا يقضي حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان"[23].(91)



ولما طلب أحد الصحابة وصية من رسول الله ? قال: أوصني، قال: "لا تغضب"، فردد مراراً "لا تغضب"[24].



فهذه وصية رسول الله ? في عدم الغضب لكل مسلم.. فكيف بالداعية.. فأولى بذلك ثم أولى.



وقبل مغادرة هذا الباب ينبغي التنبيه إلى أمرين.



الأول: التفريق بين مقام الدعوة الذي وسيلته الصبر على الأذى، والحلم بالمدعوين، وبين مقام القضاء والسلطان الذي من حقه الحكم والعقاب.



فهذان بابان مختلفان، يخلط بينهما كثير من الناس، فلا يفرقون بين وجوب الصبر في الدعوة إلى الله، والحلم على المدعوين، وبين مقام القاضي والسلطان في حال الاعتداء.



وعدم التفريق بينهما أوقع كثيراً من الدعاة في وضع الأمور في غير محلها، وفي اضطراب في التصرف، وانحراف في المنهج.



الأمر الثاني: أن الصبر والحلم لا يتأتيان بقراءة الكتب، وحضور الدروس، والاستماع إلى المحاضرات، وإنما يحتاجان إلى تدرب عليهما، ولا يتم ذلك إلا بالتربية، وما يقع من كثير من الناس من عدم الصبر والتضجر والانتقام، والتصرفات المنحرفة إلا لفقدان التربية على ذلك.. وربما فقد ذلك كثير من الشيوخ أنفسهم، وفاقد الشيء لا يعطيه، لذا وجب الاهتمام البالغ بالتربية في منهجنا العملي الدعوي.



آثار الصبر والحلم:



مما لا يخفى أن للصبر ثماراً عظيمة، وآثارًا حميدة في الدنيا والآخرة.



أما في الدنيا؛ فهي التوفيق في تبليغ الدعوة، والنصر على خصومها.



قال تعالى: {إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ} (الأنفال: 46)



والمراد بالمعية هاهنا المعية الخاصة وهي النصر.



وقال r : "وأن النصر مع الصبر"[25].



وما صبر قوم إلا أفلحوا.. وما تضجر قوم وغضبوا إلا ندموا.



ولولا فضل الله على الأنبياء بعامة، وعلى نبينا بخاصة بالصبر، لما قامت دعوة، ولما بلغنا دين.



الثمرة الثانية: محبة الله للصابرين، ومن أحبهم الله أيدهم في الدنيا، ورفع منزلتهم في الآخرة.



قال تعالى: {وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ} (آل عمران: 146)



وأما أجر الصبر في الآخرة، فهو أعظم وأطيب.



قال تعالى: {إِنّمَا يُوَفّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر: 10)



وقال تعالى: {أُوْلََئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مّرّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ}(القصص: 54)



الثالثة: ينير الطريق، ويثبت الداعية.



قال تعالى عن المؤمنين: {قَالُواْ رَبّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (البقرة:250)



وقال r : "والصبر ضياء"[26].



ولا َيقِلُّ الحلم ثمرةً في الدنيا والآخرة عن الصبر، ولولا خشية الإطالة لسردنا ثمراته، وأدلة ذلك.



ومن أجمل ثمار الحلم؛ محبة المدعوين له، وعدم وجود ردود فعل من الحليم تعرقل دعوته.



وشتان بين داعية صابر حليم، محبوب بين الناس، مقبول الدعوة، وداعية متضجر، لئيم الطبع ، ينتقم من الناس، ويكْفَهرُّ في وجوههم.







الصفة الرابعة للداعية:العفو والصفح:



لاشك أن من لوازم الصبر العفو، ومن مقتضيات الحلم التسامح، لكن إفراد هاتين الصفتين بالذكر، كان لما لهما من أهمية بالغة في قبول دعوة الداعية أو ردها.



فقد مضت سنة الدعوة إلى الله؛ في حصول الأذى بالمدعو، ونزول الضراء به،وقد طبعت النفوس على الإعراض عن المؤذي، أو الانتقام منه، وجبلت نفوس المدعوين على رد دعوة المنتقم، والنفور منه، فيخسر حينئذ الداعية، ويفر المدعوون، وتتوقف الدعوة، ولا تتم هداية المخلوقين.



لذلك أمر الله الداعية بالعفو والتسامح مع المدعوين، حتى تكون القلوب صافية، والنفوس كريمة، فيقبل المدعوون على الدعوة، ويقبلونها، ولا ينفرون منها، أو يواجهونها؛ فقال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ} (الشورى: 43)



وقال تعالى مخاطباًَ المسلمين عامة، والدعاة خاصة: {فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتّىَ يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ} . (البقرة: 109)



لذلك كان لزاماً على الداعية إلى الله أن يتحلى بالعفو، وأن يتصف بالتسامح.



وسرُّ ذلك: أن بعض المدعوين يكونون جهلاء، وأصحاب أهواء، ويرون أن دعوتهم هو تدخل في شؤونهم الخاصة، وحجز لحريتهم المطلقة.



فيقومون بردود فعل قولية، وأحيانا عملية..تجاه الداعية من شتم ، أو ضرب ، أو سخرية ، أوحقد.



والعفو والتسامح في مقام الدعوة يعني: مسح ما يعلق بالقلب من أثر الأذية، وغسل ما في النفس من حب الانتقام، والإقبال على المدعوين بوجه طلق، ونفس رضية، كأن شيئاًَ لم يكن منهم، فلا يكون في نفس المدعو حقد على من آذاه، ولا رغبة بالانتقام ممن أضر به، بل كلما أوذي عفا، وكلما تضرر سامح.



قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران: 134)



وقال r : " وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزاً" الحديث[27].



وسئل رسول الله rعن أفضل الإيمان، قال: "الصبر والسماحة"[28].



وهذان خلقان من أعظم أخلاق المسلم، فمن باب أولى أن يتحلى بهما الداعية.



ولا أدل على ذلك؛ مما كان بين الأنبياء جميعاً وأقوامهم ، وما بين رسول الله محمد صلى الله عليهم وسلم وقومه بخاصة.. فمع الأذى الكبير الذي أصابه ? وأصحابه رضي الله عنهم من كفار قريش، كان شعارهم: العفو، وكانت سجيتهم التسامح.



وقصة رسول الله r مع أهل الطائف الذين ردوه، وآذوه حتى أدموه، وسخروا منه مشهورة معلومة[29].



فما زاده ذلك في دعوته إلا ثباتاًَ، وما زاده فيهم إلا عفواً وإحساناً، وكان يردد في مثل هذه المواقف قولته المشهورة: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"[30].



وموقفه r من أهل مكة يوم فتحها في العفو عن أهلها الذين آذوه وصحبه أشد الإيذاء، أشهر من أن تسجل في مثل هذا البحث، وقد سجلت في سجل التاريخ الإسلامي الخالد[31].



وقد عفا رسول الله ? عن الأعرابي الذي شد ثوبه حتى أثرت حاشيته في عنقه r [32].



وقصة الذي أراد أن يقتل رسول الله r وهو تحت الشجرة معلومة، إذ جاء رجل من المشركين وسيف رسول الله r معلق بالشجرة، فأخذ سيف رسول الله وقال من يمنعني منك؟ قال: "الله"، فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله r فقال: "من يمنعك مني؟"، قال: كن كخير آخذ، قال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟"، قال: لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك... فخلى سبيله، قال: فذهب إلى أصحابه، قال: قد جئتكم من عند خير الناس... الحديث[33]



فانظر كيف عفا عنه، بعدما كاد أن يقتله، وأصر على كفره.. فاللهم هب لنا فقها وعفواً.



وعفا.. وعفا... عليه صلوات ربي وسلامه إلى يوم يبعثون.



والتحلي بالعفو والتسامح له ثمار عظيمة، منها:



- طيب نفس الداعية، وانشراح صدره، فإن العفو والتسامح يجعل النفس طيبة، مما يدفعها إلى مزيد من العطاء، ومزيد من الإقبال على الناس، ولو كانوا من المؤذين، وعدم التسامح يبعث الكمد في النفس بالحقد، ويغري القلب بحب الانتقام، الأمر الذي يدفع النفس إلى التراجع، ثم الانزواء عن الناس، وعن الدعوة، وفي ذلك من الخسارة ماهو معلوم لكل عاقل.



- محبة الناس للداعية، والإقبالُ عليه، بل والدفاعُ عنه.



- الأجر العظيم عند الله تعالى.







الصفة الخامسة: التواضع والمخالطة:



كلما كان الداعية محبوباًَ لدى المدعوين، كانت استجابتهم لدعوته أكبر، واجتماعهم حوله أكثر.



ولا شيء يحبب الداعية إلى المدعوين كالتواضع، لذا أمر الله به.. وحرم ضده وهو التكبر، ولا يظهر التواضع إلا بالاختلاط بالناس.. لذلك أمر الله بهما.



قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} (الكهف: 28)



وقال تعالى: {وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً} (لقمان: 18).



وقال r: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر"[34]الحديث.



وقال r: "وما تواضع أحد لله إلا رفعه"[35] الحديث.



وكان ابن عمر يدخل السوق لا يبيع ولا يشتري، لكن ليسلم على الناس، فكانوا إذا رأوه استبشروا، وانكبوا عليه، يستفتونه فيفتيهم ويحل قضاياهم[36] .



ولا شيء يساعد في نشر الدعوة، وتوسيع رقعتها، كالاختلاط بالناس، ومعرفة أحوالهم، والوقوف مع متطلباتهم،ومدارسة مشكلاتهم.



لذلك قال رسول الله r: "المسلم الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"[37].



وقد مضت سنة الأنبياء في تواضعهم، ومخالطتهم في معايشهم، وفتح أبوابهم، وتوسعة صدورهم.



ولنا في رسول الله r الأسوة الحسنة، فكان r يخالط أصحابه فيزوج عزبهم، ويعود مريضهم، ويتفقد أحوالهم، ويشيّع ميتهم، ويعين فقيرهم، بل كان يعود المريض من أعدائه فقد عاد رسول الله r ابناً ليهودي..، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي ? فمرض، فأتاه النبي r يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: "أسلم"، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم r، فأسلم، فخرج النبي r وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار"[38].



وكانت الأَمَة تأخذ بيده بالمدينة فيطاوعها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إن كانت الأَمَة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله r، فتنطلق به في حاجتها)[39].



فإن شئت أن يكون طبيباً رأيته طبيباً، وإن شئت أن تراه مصلحاً بين الناس كان مصلحاً، وإن شئت أن تجده بائعاً وشارياً كان كذلك.



وحسبك أن امرأة شكت إليه قلة جماع زوجها[40].



وزار صاحباً له وكان في البيت غلام، قد حبس طيراً له في قفص فمات، فحزن عليه، فقال له الرسول r مداعباً ومواسياً: "يا أبا عُمير.. ما فعل النُغَيْر؟!"[41].



فانظر - أيها الداعية وفقك الله - إلى هذا الصنيع ما ألطفه، وإلى هذا التصرف ما أبدعه.. سيدُ الخلق.. وسيدُ الرسل.. وسلطانُ الدولة يداعب صبياً.. ويواسي ولداً.. في ماذا؟!.. في عصفور فقده.. فما أحرى العلماء والدعاة إلى مثل هذا الخلق.



وجاءه - مرة - رجل ليشكو له انطلاق بطن أخيه، فأمره أن يسقيه عسلاً...، فعن أبي سعيد أن رجلاً أتى النبي r فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: "اسقه عسلا" ثم أتى الثانية، فقال:"اسقه عسلا"، ثم أتى الثالثة فقال:"اسقه عسلا"، ثم أتاه فقال: قد فعلتr فقال: "صدق الله، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا" فسقاه فبرأ[42].



فانظر إلى هذا التواضع الجم، والمخالطة النافعة. أُيسأل رسول الله r سيد الخلق، ورئيس الدولة- عن مرض يستحي المرء من إخبار الناس به.. أيداعب رسول الله ? ولداً، ويزور خادماً، ويمشي مع جارية في حاجتها، وهو الرسول العظيم، والقائد الكبير، والسلطان المهيب.



ذلكم هو التأديب الذي أدبه الله عز وجل، ووعظه به قائلاً:



{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} (الحجر:88).



وحذره من مغبة الكبر، والجفاء مع المدعوين، فقال له: {وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (الأنعام: 52)



ولما اجتهد النبي r في مسألة عبد الله بن أم مكتوم الأعمى رضي الله عنه فعبس في وجهه، جاءه التأديب الرباني {عَبَسَ وَتَوَلّىَ* أَن جَآءَهُ الأعْمَىَ} [43](عبس: 1- 2)



فهل عاتب رسول الله r- بعد ذلك - الأعمى، وهل وجد عليه.. أو اتخذ منه موقفاً.. إلا موقف الإكرام والمحبة..



وانظر -يا رعاك الله- إلى هذا التواضع، والمخالطة، وما كان لهما من أثر عظيم في نفوس أصحابه، صدقاً، وتربية، وعملاً، جعلتهم خير أمة أخرجت للناس.



وليس ببعيد أن يعزى أسباب تلك الفجوة بين الناس بعامة والشباب بخاصة من جهة، وبين العلماء والدعاة من جهة أخرى، إلى انعزال بعض الدعاة والعلماء، وإغلاق أبوابهم، وعدم مخالطتهم الناس، وتأففهم من الجلوس مع عوام الناس وفقرائهم، وحدثاء الأسنان، الأمر الذي أحدث فجوة، تغلغل من خلالها الأفكار الفاسدة، والمناهج المنحرفة[44].



بينما لو كان العالم الرباني مخالطاً للمدعوين، متابعاً للمتربين، لأدرك الأخطار أول وهلة، ولعالج الانحراف حين حدوثه، كالطبيب المتابع لمرضاه، وأما إذا أعرض الداعية أو المربي، وانعزل عن المدعوين، تفشى الداء، وصعب بعد ذلك العلاج ، كالطبيب المهمل لمرضاه.







الصفة السادسة: حسن الخلق، وطيب العشرة



أهمية حسن الخلق بعامة، وفي مجال الدعوة بخاصة:



لا توجد صفة شخصية للإنسان أفضل من حسن الخلق، ولا صفة تحبب الناس به أعظم من طيب العشرة.



فقد طبع الناس على حب حسن الخلق، ولو كان من كافر، وعلى كراهية سوء الخلق، وعلى النفور من صاحبه، كائناً من كان.



قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159)



ولا يجد الإنسان مدخلاً لقلوب الناس، كما يجده في حسن الخلق، ولا سبيلاً للاجتماع بهم والتآلف معهم، مثل طيب العشرة.



إن حسن الخلق تاج الإنسان، وجماله المعنوي.







فاعلم وإن رُدِّيت بُرداً







ليس الجمال بمئزر







ومناقبٌ أورثن حمداً







إن الجمال معادن









وقال آخر:



ولا جديد لمن لا يلبس الخُلُقا







البس جديدك إني لابس خُلُقي









فإذا تحلى به الداعية، أضفى شعوراً من الارتياح في نفوس المدعوين، وقبولاً كبيراً لدعوة صاحبه[45].



وكم قُبلت عند الناس دعوةٌ باطلة.. لتلبيس صاحبها بنعومة ألفاظه، ولطف معشره، وكم ردت دعوة صحيحة لجفاف صاحبها، أو لسوء خلقه!



وفوق ما لحسن خلق الداعية من أثر في قبول الدعوة، فإن لحسن الخلق أثراً بالغاً في بناء المجتمعات، وصفاء قلوب أهلها، وهذه من مهمة الدعاة إلى الله، والدعاة هم البناة الحقيقيون للمجتمعات.



والمجتمعات لا تبنى بعقيدة مجردة عن الخُلُق، ويخطئ من يظن ذلك، فلا بد أن يواكب العقيدة خلق يربط الناس، ويشد ما بينهم.



وإذا كانت العقيدة لَبنات المجتمع، فإن الخُلُق ملاطها.



وبعبارة أخرى: إن التوحيد، والتقوى، والعبادة، والدعوة المجردة عن الخلق، لا تؤلف جماعة، ولا تقيم مجتمعاً سعيداً، وإذا كان الناس سينفضون عن رسول الله لو كان فظاً غليظاً -وحاشاه ? من ذلك- فمن باب أولى أن ينفضوا عمن هو دونه.



ولهذا جاءت النصوص محذرة المسلمين بعامة، والدعاة بخاصة من مغبة سوء الخلق، لما يجر من فساد على الدعوة بخاصة، والمجتمع بعامة.



وللآية تفسيران جميلان:



الأول: أن شخصية النبي r تتصف بالخلق العظيم.



والثاني: أن ما عليه النبي r من شريعة ومنهج، ومعاملات ومسلك، هو خلق عظيم.



قال ابن عباس: {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ} إنك على دين عظيم وهو الإسلام، وكذلك قال مجاهد وأبو مالك والسدي والربيع، وكذا قال الضحاك وابن زيد[46].



وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199)



وقال سبحانه: {الّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السّرّآءِ وَالضّرّآءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران: 134)



وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله r أحسن الناس خلقاً"[47] .



وسُئلت عائشة عن خلق رسول الله r فقالت: "كان خلقه القرآن"[48].



قال العلماء معنى هذا: أن النبي r كان يتأسى بالقرآن، فما من خُلق أُمر به في القرآن إلا فعله، وما من خلق نُهي عنه إلا انتهى عنه[49].



طائفة من أقوال الرسول r في حسن الخلق:



يجدر بنا قبل مغادرة هذا المبحث، أن نختمه بخاتمة مسك، بطائفة عطرة من أقوال رسول الله r ، تبين أهمية حسن الخلق.



- فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي r قال: "ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من خُلُقٍ حَسَنٍ، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء"[50].



- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله r عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، قال: "تقوى الله وحُسْنُ الخُلُقِ"، وسئل عن أكثر ما يُدخِلُ الناس النار فقال: "الفَمُ والفَرْجُ"[51](120).



-وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله r:"أكمل المؤمنين إيماناً أَحْسَنُهُم خُلُقاً"[52].



- وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله r: "أنا زعيم ببيت في رَبَض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسُنَ خُلُقُهُ"[53].



وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله r يقول: "إن المؤمن ليدرك بحُسْنِ خُلُقِهِ درجة الصائم القائم"[54] .







الصفة السابعة:حسن التصرف، وحكمة الجواب ، والإعراض عن الجاهلين:



من البدهي أن يتعرض الداعية لمواقف صعبة، ولإحراجات كثيرة، فالناس تتنوع مشاربهم، وتختلف مقاصدهم، وتتفاوت أساليبهم.. فمنهم من يطلب الحق ويتجاوز في الأسلوب.. ومنهم من لا يحسن السؤال والخطاب.. ومنهم من يتعنت.. ومنهم من يترصد الألفاظ.. ويُحَمِّلُها مالا تحتمل.



ومنهم من يتعمد الإحراج، ويُبيِّتُ السوء.. لتشويه سمعة الداعي، وقذفه بالتهم، لإرباك دعوته، وإشغاله عنها، حسداً وبغياً.



وقد كان ذلك في عهد رسول الله r ويكون في كل عهد، ومع كل داعية.



أمثلة مما حدث مع رسول الله من هذه المواقف:



حكم رسول الله r بين ابن عمته الزبير ورجل، فكان الحُكْمُ لصالح الزبير.. فقال الرجل: أن كان ابن عمتك[55]. أي: أحكمت له، لأنه ابن عمتك.. نعوذ بالله من سوء الظن، فما كان من النبي r إلا أن شدد في الحكم، وأعرض عن التهمة.



ولما وزّع رسول الله r الغنائم، قال له رجل يقال له : ذو الخويصرة: يا رسول الله اعدل - وفي رواية اتق الله -.



فقال رسول الله r: "ويلك. ومن يعدل إن لم أعدل"[56]. ثم حذر النبي r منه ومن أصحابه ولم ينتقم منه، نعوذ بالله من النفاق.



وشد أعرابي جبة رسول الله r حتى أثرت حاشيتها في عنقه، طالباً وفاء دينه، فالتفت إليه رسول الله r ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء[57]. نسأل الله حسن المعاملة.



وقد كان رسول الله r بهذه التصرفات الخلقية العظيمة يعطي دروساً تربوية في الأخلاق لأصحابه.



لذلك يجب على الداعية أن يكون متنبهاً إلى هذا الأمر، منضبطاً في ألفاظه، متوازناً في تصرفاته، وأن يكون حذراً، من أن يتصرف تصرفاً يعيق دعوته،أو يتلفظ بألفاظ يستغلها المترصدون،ليجعلوا منها حديث المجالس، ووسيلة للتنفير من الداعية، وهم عن سبيل الله يصدون، وهم يشعرون أو لا يشعرون.. ولا شك أن هذا يؤثر على شخصية الداعية وعطائه، ويعرقل مسيرة دعوته، فخطأ الداعية مضاعف، وتصرفاته مشاعة ، وكلماته مذاعة.



قواعد في حسن الإجابة ومعالجة هذا الأمر:



الأولى: التريث في الإجابة، والتأني في التصرف، وعدم الاستجابة لردود الفعل.



الثانية: ضبط النفس حين الغضب،وكبح جماح الانتقام للنفس.



ويعين على ذلك:



استشعار خطورة توقف الدعوة، لأجل هذا التصرف.. وتقديم حظ الدعوة على حظوظ النفس، واحتساب الأجر عند الله عز وجل.



الثالثة: تقدير المصالح والمفاسد، وذلك بالتفكر في مقصود السائل، والتبصر في الإجابة، والفهم العميق لمدلولها، والنظر في التصرف، وما ينتج عنه من عواقب.



الرابعة: جواز الأخذ بالمداراة والتورية حين الحاجة الملحة.



والمداراة طريقة مشروعة، لرفع الحرج، ودفع المفاسد، وهي: السكوت عن قول الحق سكوتاً مؤقتاً لأجل التغيير، لا لأجل المداهنة.



أو هي التلطف بالمخطئ دون مواجهة، وعدم مصارحته بحقيقة فعله، طلباً لمصلحة شرعية، أو دفعاًَ لمفسدة أكبر، أو انتظار فرصة إصلاح أفضل.



والسكوت عن قول الحق لا يعني: جواز قول الباطل، أو المداهنة فيه.



والقاعدة في ذلك: إذا كنت لا تستطيع قول الحق فلا تقل الباطل.



والتورية شعبة من شعب المداراة.



وهي: أن يقال كلام حق يقصد به شيء، ويفهم منه شيء آخر، ولا يتعارض ظاهر الكلام مع مقصوده[58]. ويُشترط أن لا يُفهم من التورية باطلٌ، وإنما كلام يقال، لا يجلب مفسدة، بل يدفع مضرة.



الخامسة: الإجابة بصورة مجملة أو مشروطة، كمن يسأل: إذا أمرنا السلطان بأمر هل نطيعه؟ فيقول: إن أمرك السلطان بشرع وعدل فأطع،وإن أمرك بمعصية وظلم فلا تطع.



السادسة : الإعراض والسكوت قال تعالى : {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان/63) وقال r "رحم الله امرأً قال خيراً أو سكت"



أمثلة من أجوبة النبي ? الحكيمة، وتصرفاته الحسنة.



لقد كان رسول الله r أسوةً عظيمة، في حسن التصرف، وحكمة الجواب، فكل أجوبته حكيمة، وكل تصرفاته عظيمة، فمن ذلك:



أن أعرابياً قال لرسول الله r: "متى الساعة يا رسول الله؟ قال: "ما أعددتَ لها؟"، قال: ما أعددتُ لها من كثير صلاة، ولا صوم، ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت"[59].



فانظر إلى هذا الجواب الحكيم، وكيف صرف رسول الله السائل عما لا ينفعه إلى ما ينفعه.. دون أن يشعر السائل.



فلو قال له رسول الله r: لا أعلم متى يوم القيامة، فلربما وقع في نفس الأعرابي ما وقع، ولربما قال ما قال.. لقرب عهده بالجاهلية، أو لجهله.



فكان من الحكمة صرف الأعرابي عن سؤاله الذي لا ينفعه جوابه، إلى جواب ينفعه في دينه وآخرته، وينفع الأمة من بعده، فقال له عليه الصلاة والسلام: "وما أعددتَ لها؟؟".



فانصرف الأعرابي عن سؤاله.. وانشغل بما ينفعه عما لا ينفعه. فصلى الله وسلم عليه ما أحسنه من معلم!!



ولما بال الأعرابي في المسجد، وهمّ أصحاب النبي r به، ومنعهم رسول الله r، قال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، قال له r: "لقد تحجرتَ واسعاً"[60] بدل أن يقول له: "لقد قلت باطلاً". فما أعظمه r من مربٍّ!؟



ولما طالبه أحدهم بقضاء الدين فأغلظ، فَهَمَّ به أصحابه، فقال رسول الله r: "دعوه فإن لصاحب الحقِّ مقالاً" ثم قال: "أعطوه سِنّاً مثل سِنِّه"، قالوا: يا رسول الله لا نجد إلا أمثل من سِنِّه، فقال: "أعطوه.. فإن من خيركم أحسنكم قضاء".[61]



ففي قوله r "دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً" تهدئة لنفسية المطالب الثائرة، إذ أحس أن رسول الله r يُقِرُّ له بحقه... ولما سمع بقضائه جملاً أفضل من جمله، انطفأت ثورته تماما وهدأ، فصلى الله عليه وسلم ما أطيبه عِشْرَة.



ولو أردنا أن نتتبع تصرفات النبي r، وأجوبته، لطال بنا المقام عن المقصود.



ومن أجمل ما يُروى في حُسْن الجواب عن بعض الحكماء: أن خليفة رأى في المنام: أن أسنانه وأضراسَه كلَّها سقطت، فسأل مُعبِّراً، فقال له: يا أمير المؤمنين: كل أهلك وأقربائك يموتون قبلك. فحزن الخليفة حزناً شديداً.. فسأل مُعبِّراً آخر: فقال المعبِّر: يا أمير المؤمنين هون عليك... إن تأويل الرؤيا: ((أنك أطول أهلك عمراً))، فسُر الخليفة، وفرج عنه.



والمتأمل للجوابَيْن: يجدهما بمعنى واحد، غير أن الأول: لم يكن حكيماً في جوابه، مع صوابه.. والثاني: كان حكيماً في جوابه، وانظر - يا رعاك الله- الأثر.

الشورى في الحاكمية

باسم الله الرحمان الرحيم:

بياننا المستقبلي

باسم الله الرحمان الرحيم

أهم خصائص الاقتصاد الإسلامي


أهم خصائص الاقتصاد الإسلامي





أولاً – الانطلاق من العقيدة :



وهذه أهم خصائص الاقتصاد الإسلامي ، ولو نزعت منه هذه الخاصية لم ينجح ، وننوه هنا إلى أن الإيمان هو الاسم الوارد في الكتاب و السنة ، بدل كلمة العقيدة ، وذلك لدلالته على الهدف الأسمى من الإيمان وهو الأمن ، فلفظ الإيمان يطوي تحته هذا المعنى العظيم ، كما قال تعالى : { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } ، ولهذا فاستعمال هذا اللفظ بدل العقيدة ، أولى وأفضل ، فالإيمان كلمة خفيفة على النفس وحروفها سهلة ، وتشعر النفس بانجذاب نحوها ، كما أنها تدل أيضا على الانقياد ، بمعنى أن الله تعالى يريد بالإيمان التصديق الذي يتبعه انقياد ، وكلمة الإيمان تدل على هذا المعنى ، ذلك أن معناها ليس التصديق ، وإنما تصديق مع انقياد .



ومما يدل على ارتباط الاقتصاد بالإيمان : قوله تعالى : { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون } .

ففي هذه الآية الكريمة ، بيان أن الإيمان والتقوى أهم أسباب الازدهار في الاقتصاد الإسلامي ، وهما سبب للبركات والرفاه ، كما يقول الاقتصاديون ، أن هدف الاقتصاد هو تحقيق مجتمع الرفاهية .

فالله تعالى يقول في هذه الآية ، إذا أردتم اقتصادا سليما ، يحقق الرفاهية ، فعليكم بتقوى الله عز وجل والإيمان .



*** كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :( لا يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) [رواه ابن ماجه] ، وفي هذا تأكيد للعلاقة بين الإيمان والاقتصاد الإسلامي .



*** ومن الأمثلة على ذلك أيضا ، أعني تأثير تقوى الله تعالى في الاقتصاد ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( من باع دارا ، ثم لم يجعل ثمنها في مثلها ، لم يبارَك له فيها ) [رواه الضياء المقدسي والطيالسي والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه ] .



فهذا ـ كما هو واضح ـ لا علاقة له بالأمور المادية ، ولكن علاقته بالأمور الإيمانية ، ومن أمثلة ذلك ما نسمعه عن الذين دخلوا البورصة بأثمان بيعهم لبيوتهم ، ثم خسروا وانكسروا ، فهذا البعد ، بعد إيماني غيبي لم ينبه عليه إلا في الاقتصاد الإسلامي ، ولا يعترف به الاقتصاد الملحد الذي لا يبني الاقتصاد على الإيمان بالله تعالى ، الممحوق البركة ، الذي ملأ العالم جشعاً وفسادا .



***ومن الأمثلة أيضا : قوله صلى الله عليه وســــم (ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) [رواه مسلم من حديث أبي هريرة] ، فهذا المعيار خاص في الاقتصاد الإسلامي ، وفيه يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الزيادة والنقصان للمال ، تؤثر فيهما الصدقة على الفقراء ابتغاء وجه الله تعالى ، وذلك من جهتين :



أحدهما : أن الله تعالى يدفع عن المسلم من البلاء والمصائب ، بسبب الصدقة ، بما لو لم يتصدق لاجتاحت ماله وهـو لا يـدري .



الثانية : أن الله تعالى يجعل في المال القليل نفعا أكثر من المال الكثير .



ثانيا : أن الاقتصاد الإسلامي ، اقتصاد مستقل قائم على الوحي ، فليس هو حصيلة أفكار مرقعة شرقية وغربية ، ولا مصدره من بشر قد يبدلون ، ويغيرون أفكارهم فهم معرضون للصواب والخطأ .



وهذه أهم خصائص الإسلام بشكل عام ، فإنه لا يعتمد إلا على الوحي ، فهو نظام مستقل قائم بذاته مصدره الوحي الإلهي .



وفي الإسلام ، كل النظريات الأخرى في الاقتصاد وغيره ، إنما تقاس على الوحي ، فما عارض الوحي منها ردّ ، فالمعيار المطلق هو موافقة الوحي فحسب ، والواقع هو موضع الحكم ، وليس مصدر الحكم .



بينما في الاقتصاد الرأسمالي مثلا ، المعيار هو النفعية ، كما أن الواقع هو موضع الحكم وليس مصدره .



ذلك أن العلمانية هي وعاء الاقتصاد الرأسمالي ، وهي مبينة على أساس أن الواقع القائم على الفائدة النفعية هو مصدر الحكم .



وأسس العلمانية الثلاث التي تقوم عليها هي :



المادة والنفعية واللذة ، يقابلها عندنا الإيمان بالله تعالى والرسول والسعادة الأخروية .



كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه : " الأصول الثلاثة التي اتفق عليها الرسل هي الإيمان بالله والرسل والمعاد " .



ومن هنا فنحن ننبه إلى أن بعض البنوك الإسلامية بدأت تتأثر بالرأسمالية ، من حيث لا تشعر ، وذلك من جهة الحرص على المنفعة وجعلها مصدر الحكم أحيانا ، تحت غطاء من حيل .



*** ومن الأمثلة أن الفكرة في أرباح البنك الإسلامي مبنية على المضاربة ، حيث يدخل السوق ويوفر فرص العمل وينوع السلع وينافس بالأسعار ويحرك الاقتصاد ويضخ إلى السوق النقد والبضائع ، ويحرك الدورة الاقتصادية ، فيأخذ أموال الجماعة ويوظفها في مصلحة الجماعة ، وهذا يحتاج إلى إيمان وصبر ، وبه يتحقق الخير العام للمجتمع .



ولكن للأسف ، فقد استبطأت بعض البنوك الإسلامية هذه العملية ، ولهذا لجأت إلى حيل توفر عليها الجهد ، وتعجل الفائدة ، مثل توسيع الأمر في نظام المرابحة ، وقد وسعت بعض البنوك الإسلامية أرباحها من هذا المصدر ، لأنها وجدته أسهل وأسرع في تحصيل الربح المضمون ، ذلك أنها جعلت نظام البيع بالمرابحة ، ما هو إلا جعل البنك الإسلامي نفسه وسيطا بين البائع أو التاجر والعميل ، فهو لا يحتاج إلا إلى أوراق وطاولة وموظف ، يعرف الزبون أن يوقع على الوعد بالشراء ، ثم يتصل البنك الإسلامي بالشركة التي تبيع السلعة ، وبالهاتف يقول للبائع هناك اشترينا منك السلعة الفلانية ، قل : بعت ، فيقول البائع هناك بعت ، ثم يوقع الزبون عند البنك الإسلامي ، على عقد البيع ، ويعطي البنك الإسلامي ثمن السلعة نقدا ، ويقاسط الزبون بالفوائد ، هكذا دون أي عناء ، سوى توقيع واتصال هاتفي فقط ، ويسمون هذا بيعا شرعيا ، ومضاربة شرعية للأسف .



وأنت إذا تأملت في هذه العملية وجدت أن البنك الإسلامي ، لم ينفع أحدا إلا نفسه ، ولم يزد شيئا في السوق ، ولم يقم بأي دور في الاقتصاد العام للمجتمع ، وإنما حمل الزبون دينا مع زيادة الفوائـــد ، وهي نفس فكرة المرابي الذي يقول : أنا لا أريد أن أعمل ، إنما أجلس وأعطي نقودا ، وآخذ نقودا زيادة ، فلا أدخل السوق ولا أوفر فرصا للعمل ، وهو أسلوب سهل لكسب المال دون تعب ، ولكنه يؤدي إلى تكديس الأموال بيد المرابي ، وتكديس الديون على الناس .



والمرابحة بالطريقة توسعوا فيها ، قد ظهرت صورتها النهائية ، نفس صورة العملية الربوية ، ونتائجها هي نفس نتائجها ، وهي جعل المجتمع مدينا ، وجعل البنك هو الدائن العام لأفراد المجتمع ولا حول ولا قوة إلا بالله .



ثالثا : الاقتصاد الإسلامي ، يعتمد على القاعدة الفقهية التي تقول : إن الأصل في المعاملات الإباحة ، انطلاقا من القاعدة الشرعية­ " أن الشريعة مبنية على التيسير ورفع الحرج " فكل ما لم يرد نص في تحريمه فهو مباح ، يقول تعالى { ما جعل عليكم في الدين من حرج } .



رابعا : كما أن الاقتصاد الإسلامي ، لا يحرم ولا يبيح إلا درءا لمفسدة أو جلبا لمصلحة عامة أو خاصة .



موجز الاقتصاد الإسلامي:


موجز الاقتصاد الإسلامي:



مميزات :



من أهم الأمور التي ينبغي الإشارة إليها في الاقتصاد الإسلامي، هو السعي من اجل تحقيق ما يلي:



1: أن لا يكون هناك فقراء يعانون الجوع والمرض والفقر.



2: أن لا تكون هناك مشاريع معطلة.



3: أن لا تبقى طاقات إنسانية، أو غير إنسانية عاطلة.



4: أن لا يبطر الغني.



5: الدولة هي المسؤولة عن هذه البنود الأربعة.



6: أما أن لا يكون في المجتمع اختلاف في المستوى المعيشي والمادي، فليس مهماً، ولا يتمكن أي إنسان أو دولة أن يقول: إني أتمكن أن أوفر التساوي المطلق. وهل عليّة الحزب الشيوعي في كل البلاد الشيوعية، يتساوون في الرواتب والمخصصات مع العامل والفلاح والمثقف البدائي؟!.



والاقتصاد الإسلامي، يقوم بدور البنود الأربعة:



فلا فقراء في الدولة الإسلامية. ولا مشاريع معطلة. ولا طاقات معطلة. ولا يتمكن الغني من البطر.





لا فقر ولا فقراء





1: أما أنه لا فقراء، فإن الدولة الإسلامية مسؤولة بسد حاجات كل فقير.



وذلك حسب اللائق بالكرامة الإنسانية، لا (صدقة) بمفهومها المزري، بل حقاً واجباً.



والمراد بالحاجات: المأكل، والملبس، والمسكن، والمركب، والزواج، والسفر المحتاج إليه، والثقافة، والدراسة والضرورات الطارئة كالمرض وما أشبه.



لا مشاريع معطلة





2: وأما انه لا مشاريع معطلة، فإن الدولة الإسلامية مسؤولة، لا بإقامة المشاريع بمفهومها العام فحسب، بل بالسير إلى الأمام في جميع نواحي الحياة، كالعمران، والزراعة، والصناعة، والتجارة، والمال، وغيرها…



وحديث: (من استوى يوماه فهو مغبون)(2).



و:(الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)(3) كاف في الدلالة على ذلك.



لا طاقات معطلة





3: وأما انه لا طاقات معطلة، فإن الدولة الإسلامية، لا تعطي المال لمن يتمكن من العمل ويكسل ويترهل، حتى تبقى طاقات بشرية عاطلة، بل يعطي المال للضعفاء والعجزة، ولمن ينقص مكسبه عن حاجياته، أما البطالون فتهيئ لهم الدولة الإسلامية فرص العمل والتشجيع عليه…



هذا بالنسبة إلى الطاقات البشرية، أما الطاقات الكونية، فالدولة الإسلامية تسعى بكل إمكانياتها، للاستفادة من الثروات الطبيعية التي خلقها الله سبحانه وتعالى للإنسان(4) قال تعالى: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)(5).



لا بطر للغني





4: وأما عدم بطر الغني: فالربا، والاحتكار، والاستغلال، والفسق، كلها محرمة في شريعة الإسلام، فإذا أراد الإنسان أن يعمل أياً من هذه الأمور، فالإسلام يوقفه عند حده.



وبعد ذلك فليكن هناك إنسان غني يملك، الكثير من الدنانير، أو الدور أو ما أشبه(6).





ضمان التطبيق





أما كيف يوفر الإسلام البنود الأربعة؟



فبما يلي :





الحريات





1: بإطلاق جميع الحريات: حرية التجارة، وحرية الصناعة، وحرية الزراعة، وحرية الثقافة، وحرية العمران، وحرية السفر، وحرية الإقامة، وحرية الاستفادة من الطاقات الكونية… إلى غيرها من الحريات الإسلامية الكثيرة.



الثروات الطبيعية





2: باستفادة الدولة من الموارد الطبيعية، واهتمامها في اكتساب المال بما لها من قابلية وإمكانية.



لكن يشترط في هذين الأمرين(7):



أن لا يكون العمل محرماً، كالإتجار بالخمر والخنزير وما أشبه من المحرمات المذكورة في الشريعة الإسلامية(8)



الحقوق الشرعية





3: أخذ الدولة الإسلامية (الخمس) و (الزكاة) من الأغنياء، وهما يقاربان الثلاثين بالمائة، فإن الخمس عشرون بالمائة من أرباح التجارات والمعادن وغيرهما(9)، والزكاة بين العشرة بالمائة وبين الخمسة بالمائة، من الإبل والحنطة والذهب وغيرها(10)…



وحيث ان (الجزية) ـ وهي مال يؤخذ من أهل الكتاب القاطنين في البلاد الإسلامية (11) ـ شبه بدل عن الخمس والزكاة، إذ هما لا يؤخذان من أهل الكتاب. و(الخراج) من موارد الدولة، فهو داخل في البند الثاني، لم نذكرهما مستقلين.



الأوقاف





4: كما أن الدولة الإسلامية توفر كمية كبيرة من المال بواسطة (الأوقاف) فإنها من أضخم الموارد الاقتصادية، إذا عرفت الدولة كيف تكونها؟ وكيف تنميها؟…



وكذلك بواسطة التبرعات التعاونية، كالصناديق الخيرية وما أشبه.



ولو قلنا: إن دولة كالعراق (الحالية) تتمكن أن توفر بهاتين الواسطتين، في كل سنة مئات الملايين من الدنانير، لم نكن بعيدين عن الصواب.



الظروف الطارئة





5: ولا شك أن هناك ظروفاً طارئة، كظروف الحرب، لا تفي الموارد السابقة لسد جميع حاجات البلاد، وفي مثل هذا الظرف، يكون الكل مسؤولاً عن النهضة بتكاليف ما طرأ من الظروف الخاصة، ويكون ذلك جهاداً يشمله قوله سبحانه :( جاهدوا بأموالكم وأنفسكم )(12).



قلة نفقات الدولة





6: ويبقى أن نقول: إن الدولة الإسلامية لكثرة ما فيها من الحريات وقلة ما فيها من القيود، وبفضل مناهجها الموجبة لتعميم الأمن والرخاء… الموجبة بدورها لقلة الجرائم، وبسبب عدم ثقل كاهلها بأنظمة السجون، وضخامة تكاليف الخدمة العسكرية الإجبارية، والتركيز على الجانب العسكري أكثر من اللازم، وبغير هذه الأسباب…



فإن الدولة الإسلامية بفضل تلك المذكورات، قليلة النفقة جداً بالنسبة إلى الدوائر والموظفين و…



ولعلنا نتمكن أن نقول: إن تكاليف الدولة الإسلامية في أمر الدوائر والموظفين أقل من واحد بالمائة، من تكاليف الدول الحاضرة و…



وهذا بدوره يوجب توفر اقتصاد الدولة، مما تتمكن بسببه من سد الحاجيات، وإقامة المشاريع، وتقديم البلاد إلى الأمام بخطوات كبيرة.



الإشراف فقط





7: كما أن من اللازم أن تكتفي الدولة الإسلامية بالإشراف على المشاريع الحيوية عوض قيامها بنفسها بتلك المشاريع.



مثل إجازة التجار بتأسيس مختلف المؤسسات: كالمدارس، والمعامل، والوسائل المختلفة للنقل، كالقطارات والمطارات وما أشبه، ومحطات الكهرباء، وغيرها، فإنها توجب دخلاً كبيراً في توفر الاقتصاد للدولة.



سائر المناهج الاقتصادية





أما المآخذ التي تؤخذ على سائر المناهج الاقتصادية، فيمكن إيجازها فيما يلي:





1: الاقتصاد الرأسمالي



أ: فانه لا يتكفل برفع مستوى الفقير، حتى يسد جميع حاجياته، ولذا نرى كثرة الفقر والبطالة في البلاد الرأسمالية.



ب: انه يكبت الحريات نوعاً ما، بسبب وضع القيود الكثيرة والضرائب على الاستثمار والتجارة وغيرهما من موارد نمو المال.



ج: انه لا يوقف الغني عند حدة، ولذا يكثر البطر في أغنياء الرأسماليين.



2: الاقتصاد الاشتراكي



أ: فانه بالإضافة إلى وجود مساوئ الاقتصاد الرأسمالي، يحتوي على مساوئ الاقتصاد الشيوعي، كما ترى. فهذا الاقتصاد، بزعم تجنبه مساوئ الاقتصادين، جمع قسطاً من مساوئ كل منهما.



ب: انه ليس لهذا الاقتصاد مفهوم محدد المعالم، ولذا كثرت أنواع الاقتصاد الاشتراكي في عالم اليوم، ومن المعلوم أن تضارب المفاهيم، دليل على شلل الفكرة وعدم انسجامها لواقع الحياة.



3: الاقتصاد الشيوعي



أ: فإنه كبت لكافة الحريات، حتى حريات الحزب، فإن النظام نظام من شأنه الكبت والإرهاب، ولذا يكون الحزب وسائر الشعب تحت ظل هذا النظام مكبوتين خائفين، ومن المعلوم أن كبت الحرية يشل القوة الاقتصادية.



‎ب: انه لا يرفع مستوى الغنى إطلاقاً، بل الفقراء في ظل هذا النظام أشد بؤساً وفقراً من الفقراء في ظل أي نظام آخر.



ج: انه لا يفسح المجال أمام الطاقات المبدعة والبناءة، لتتمكن من البناء بالقدر الممكن، فإن الإنسان ذا ملكات خيرة، إن وجدت المجال تقدمت وازدهرت، وان لم تجد اضمحلت واندثرت.



د‎: انه يبتني على كثرة موظفي الدولة، حتى انها لتفوق موظفي الدول الرأسمالية والاشتراكية، فإن أعضاء الحزب كلهم موظفون في الدولة الشيوعية، مما يسبب انخفاض الاقتصاد تلقائياً.



هـ: انه يوجب تحويل القوة المسيطرة على العامل والفلاح والكاسب من أيادي ضعيفة (كالمالك للمعمل وللأرض، وتاجر الجملة) إلى يد الدولة القوية، حيث لا يجد العامل والفلاح والكاسب، ملجأ يقيه من الحيف الواقع عليه.



بينما في غير الدولة الشيوعية يجد المضطهد ـ ولو بنسبة ـ ملجأ يحتمي عن الظلم والاستغلال، وهذا الأمر من أكبر العوامل لانخفاض الاقتصاد، إذا الضغط الذي لا يمكن رفعه ولا يجد من عليه الضغط متنفساً لرفع الضغط الواقع عليه، من أكبر أسباب تدهور وضع البناء والإنتاج والعمران والتقدم.



هذا مجمل عن الاقتصاد الإسلامي بمقارنة بدائية مع الاقتصاد الرأسمالي والشيوعي والاشتراكي، أما تفصيل هذه الأمور فبحاجة إلى كتب مفصلة، مع بيان الأرقام والشواهد والبراهين.



خاتمة(13)





س: هل كان للإسلام اقتصاد؟



ج: الاقتصاد الصحيح الحر، إنما هو في الإسلام وحده، أما الاقتصاد السائد في عالم اليوم، فليس باقتصاد صحيح، لما فيه من:



1: انحراف في الاقتصاد، برفع كفة إلى السماء من أصحاب الملايين، ووضع كفة إلى ما تحت الأرض من الفقراء الذين يموتون جوعاً وعرياً، كل يوم بالآلاف(14).



2: وكبت للاقتصاد، بإلغاء الملكية الفردية، فالأفراد يعيشون في أفقر حالة.





س: كيف كان الاقتصاد الإسلامي؟



ج: بيان الاقتصاد في الإسلام يحتاج إلى مجلدات ضخمة لكنا نوجزه في الخطوط الأساسية العامة التي وضعها الإسلام لنفي الفقر والحاجة عن المجتمع وترفيع مستوى المعيشة، والخطوط الأساسية هي:



الأولى: توسيع الحريات في جميع المجالات، فإن الناس حيث كانوا يتمتعون بحرية واسعة في ظل الحكم الإسلامي كانوا يعملون بكل جد وإخلاص، والطريق أمامهم مفتوح، ولهذا كانوا يثرون، وقلما يوجد إنسان محتاجاً…إذ من المعلوم أن المناهج الأصلية للثروة كانت مباحة بجميع أقسامها، ولم يكن عليها ضرائب واتاوات، كما لم تحتاج إلى قيود وشروط، فكان كل إنسان يشتغل ويعمل، وعمله كان يدر عليه الرزق ويفيض عنه، أما في ظل القوانين الوضعية:



1: فمنابع الثروة محصورة، لا يحق لأحد الانتفاع بها.



2: وما يجوز الانتفاع بها، عليها ضرائب ورسوم.



3: ثم الانتفاع لا يكون إلا بقيود وشروط.



ولذا قلما يتمكن الإنسان من الانتفاع بالمنابع الأصلية، وفي صورة التمكن، تأخذ منه الشروط والضرائب كل مأخذ، ولو قلنا إن هذه القيود خفضت مستوى الثروة من المائة إلى العشرين، لم نكن مبالغين.



ونمثل لذلك بالعراق، فقد كانت في زمن الإسلام عامرة بالزراعة والعمارة، وفي ظل غير الإسلام، لا نجد إلا الجزء القليل منها عامرة، أما الباقي فخراب ويباب، وبينما كان يعيش من خيراتها أربعون مليون، تحت ظل الإسلام، لا يصل نفوسها اليوم إلى ثمانية ملايين(15).



الثانية: بساطة جهاز الحكومة في الدولة الإسلامية، وكم ترى من البساطة، في هذا المثال:



حينما فتحت العراق، جاء إليها من المدينة للحكومة ثلاثة أشخاص فقط، والسر أن الجهاز الحكومي موضوع للعدل بين الناس أولاً، وحفظ البلاد من الأعداء ثانياً، ورفع المستويات في جميع الجهات ثالثاً … وحيث أن الحكومة الإسلامية :



1: شعبية إلى أبعد حد.



2: لا تعترف بالقيود التي تسبب كثرة الأجهزة.



3: ليست (روتينية) وإنما سريعة في حل القضايا.



4: تعمم الثقة بين الناس، بوضع مناهج الإيمان والضمير.



لذا لا تحتاج إلى أجهزة كثيرة، فموظفوا الدولة في غاية القلة، ولذا فالمال متوفر إلى أبعد حد، وهذا مما يسبب بدوره رفع المستوى الاقتصادي من ناحيتين:



الأولى: إن الموظف غالباً لا يعمل لنفسه، وإنما يكون كلاً على الآخرين، فإذا قل الموظفون توفر المال الذي يلزم صرفه فيهم، فيتوفر المال عند الدولة، فتقوم بسائر الأمور الحيوية.



الثانية:‎ إن الذين لا يوظفون، يعملون لأنفسهم ويكونون أجهزة الإنتاج، بينما إذا كانوا موظفين، أصبحوا أجهزة الاستهلاك، ولنأخذ مثلاً: إذا كان في بيت عشرة أشخاص، كل شخص يكسب كل يوم ديناراً، فإذا وظفنا من هؤلاء خمسة ـ فرضا ـ كان الدخل خمسة دنانير لعشرة أشخاص، بينما إذا كان الموظف منهم واحداً، كان الدخل تسعة دنانير لعشرة أشخاص.



الثالثة: بيت المال، وكان يجمع المال فيه، من الأخماس، والزكوات، والجزية، والخراج، وقد تقدم معنى (الخمس والزكاة والجزية).



وأما (الخراج) فهو حاصل أراضي الدولة التي لها بالحيازة، أو للمسلمين بالمحاربة أو ما أشبه.



وظيفة بيت المال

ووظيفة بيت المال أمران:



الأول: سد حاجات الناس، إطلاقا.



الثاني‎: القيام بمصالح الناس بمختلف أقسام المصالح ، فبيت المال ـ مثلاً ـ يعطي المال للفقير ليغنى، ولابن السبيل ليرجع إلى بلده، وللأعزب ليتزوج، وللمريض الذي لا يتمكن من نفقة مرضه حتى يشفى، وللشخص الذي ليس له رأس مال وهو يريد الكسب ليكتسب، والذي ليس له دار وهو بحاجة إليها، ليبني داراً، ولمن يريد طلب العلم ولا يتمكن من النفقة لينفق في سبيل العلم…إلى غيرها وغيرها من سائر الحوائج.



وبالجملة: فكل محتاج يراجع بيت المال وعلى بيت المال تموينه، على سبيل الوجوب والحق عليه، لا على سبيل التبرع والإحسان.



هذا من ناحية…



ومن ناحية أخرى: على بيت المال القيام بجميع مصالح المسلمين من تعبيد الشوارع وإنارتها، وبناء المصحات، وفتح المدارس، وبناء المساجد… وغيرها وغيرها، فلا يبقى معوز محتاج، ولا مصلحة غير مكفية.



وبهذه الخطوط الثلاثة التي ألمعنا إليها: (توسيع الحريات، وبساطة جهاز الحكومة، وبيت المال) تمكن الإسلام من ترفيع مستوى الناس (اقتصادياً) ولذا كان الاقتصاد الإسلامي من أفضل أنواع الاقتصاد، لا كالاقتصاد الرأسمالي الذي فيه اختلال الثروة، ولا كالاقتصاد الشيوعي الذي لا يقوم بأوليات حاجات الشعب.





ثلاثون طريقة لخدمة الدين

باسم الله الرحمان الرحيم:

قراءات في الإستراتيجيات الصهيونية

باسم الله الرحمان الرحيم


التصور الفني في القرآن الكريم

باسم الله الرحمان الرحيم

دراسة في علم الأصول

باسم الله الرحمان الرحيم:

دراسة في فقه مقاصد الشريعة


"دراسة في فقه مقاصد الشريعة"





إن الفقه في الدين أخص من العلم بالدين؛ فالعلم بالدين قد يكفي فيه العلم بظاهره، أما الفقه في الدين، فلا يتحقق إلا بالعلم بباطنه وأسراره، وأول ما يشمل هذا ـ أي العلم بالدين ـ العلم بالمقاصد التي جاء بها الدين؛ ولهذا عُد العلم بمقاصد الشريعة هو لُباب الفقه في الدين.





وإن من وقف عند ظواهر النصوص، ولم يَغُص في أعماقها وحقائقها، ويتعرف على أهدافها وأسرارها، فلا يحسب أنه قد فقه في الدين، وعرف حقيقة الدين.





وليس معنى الاهتمام بأسرار الدين، ومقاصد الشريعة: أن نعرض عن النصوص الجزئية المفصلة التي جاء بها القرآن، والسنة النبوية، فإن هذا انحراف مرفوض، لا يصدر عن مؤمن.





وحول هذا الموضوع الكبير ـ العلاقة بين النصوص والمقاصد ـ جاءت هذه الدراسة بعنوان (دراسة في فقه مقاصد الشريعة) للشيخ الدكتور (يوسف القرضاوي) ليبين ما فيها من اتجاهات ثلاثة: طرفين ووسط بينهما، وما لكل منها وما عليه، عن الطريق العرض لثلاث مدارس, وكيفية فهم كل منها لفقه النصوص الشرعية الجزئية في ضوء مقاصد الشريعة الكلية كما يلي:





· مدرسة (الظاهرية الجدد) فقه النصوص بمعزل عن المقاصد





وهذه المدرسة تعنى بالنصوص الجزئية، وتتشبث بها، وتفهمها فهمًا حرفيًا، بمعزل عن قصد الشرع من ورائها، وهؤلاء الحرفيون هم ورثة الظاهرية القدامى، الذين أنكروا تعليل الأحكام، كما أنكروا القياس، وهؤلاء ورثوا عن الظاهرية القدماء: الحرفية والجمود، وإن لم يرثوا عنهم سعة العلم، ولا سيما فيما يتصل بالحديث والآثار.





ولا ريب في أنهم بجمودهم وتشددهم، ـ بالرغم من إخلاص كثير منهم وتعبدهم ـ يضرون بالدعوة إلى الإسلام، ضررًا بليغًا، ويشوهون صورته المضيئة، كما يبدو ذلك واضحًا في مواقفهم في قضايا المرأة والأسرة، وقضايا الثقافة والتربية والاقتصاد والسياسة والإدارة.





ولقد كانت لهذه المدرسة التي غلبت عليها الظاهرية سمات وخصائص علمية وفكرية، تميزها عن غيرها من المدارس، وتؤثر في اتجاهها الفقهي والعملي في اختيار الآراء، وقد أجمل الدكتور القرضاوي هذه الخصائص في ست نقاط كما يلي:





1. حرفية الفهم والتفسير





2. الجنوح إلى التشدد والتعسير





3. الاعتداد برأيهم إلى حد الغرور





4. الإنكار بشدة على المخالفين





5. التجريح لمخالفيهم في الرأي إلى حد التكفير





6. عدم المبالاة بإثارة الفتن





وقد ارتكزت مدرسة الحرفيين، والتي سماهاه الشيخ بالظاهرية الجدد على جملة مرتكزات تتمثل فيما يلي:





أولًا: الأخذ بظواهر النصوص، دون التأمل في معانيها وعللها ومقاصدها؛ فما أفادته هذه الظواهر أخذوا به، دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة البحث في هذا النص وما أخذ منه من حكم: هل هو موافق لمقصود الشارع أولًا؟ وهل للشارع مقصد منه أو لا؟ وما هو؟





ثانيًا: أنهم ينكرون (تعليل الأحكام) بعقول الناس واجتهاداتهم، فإنهم لا يثقون بالعقل الإنساني في فهم النصوص، ومحاولة التعرف على مقاصدها وعللها، وما وراء الأحكام من حِكَم أرادها الحكيم العليم.





ثالثًا: أنهم يتهمون الرأي، بل يدينونه، ولا يرون استخدامه في فهم النصوص وتعليلها، ويرون اتباع الرأي والتوسع فيه أمرًا مبتدعًا ومذمومًا.





رابعًا: أن المدرسة الحرفية تنهج بصفة عامة نهج التشدد في الأحكام، وتميل إلى شدائد ابن عمر، أكثر من رخص ابن عباس، وإذا وجد قولان متكافئان أو متقاربان، أحدهما أحوط والآخر أيسر، فإنها تميل دائمًا إلى الأخذ بالأحوط.





ثم عرض الدكتور يوسف القرضاوي إلى مواقف وأمثلة نعتها بالصارخة، لحرفية أرباب هذه المدرسة وجمودهم على الظاهر ومن ذلك:





1. إسقاط الثمنية عن النقود الورقية:





فلقد وجد من يقول: إن النقود الورقية التي يتعامل بها العالم كله اليوم، ومنه العالم الإسلامي ليست هي النقود الشرعية التي وردت في كتاب الله والسنة، وعلى هذا لا تجب فيها الزكاة، ولا يجري فيه الربا! إنما النقود الشرعية هي الذهب والفضة وحدهما!





وقد ذكر الشيخ أنه رد عليهم في كتابه (فقه الزكاة) وبين أن تناقضهم واضح، لأن هذه النقود هي التي يدفعونها ثميًا للأشياء، فيستحلون بها مختلف السلع، وهي التي يدفعونها مهرًا للمرأة، فيستحلون بها الفروج، ويدفعونها أيضًا دية في القتل الخطأ ... الخ.



فكيف ساغ لهؤلاء أن يغفلوا ذلك كله، ويُسقطوا الزكاة عن هذه النقود، ويجيزوا الربا فيها، لأنها ليست ذهبًا أو فضة.

2. إسقاط الزكاة عن أموال التجارة:





وهنا قال الشيخ أن من أعجب ما سمعنا في عصرنا من آراء هؤلاء: القول بسقوط الزكاة من أموال التجارة، وقد ذكر الدكتور القرضاوي أنه قد رد على ذلك في أحد كتبه وسجل تعجبه من إسقاط الزكاة عن أموال التجارة في العصر الذي ربما يصل فيه كسب التاجر عشرات الملايين، وتسقط الزكاة عنه، إذًا فليمت الفقراء جوعًا وليهلك الضعفاء تشردًا، إلا أن يجود عليهم التجار بما تطيب به أنفسهم من الفتات.





3. الإصرار على إخراج زكاة الفطر من الأطعمة:





وقد أشار الشيخ إلى أن هذا أمر اختلف فيه الأئمة والفقهاء، فلا يجوز الإنكار والتشديد فيه لأن المتفق عليه: أن لا إنكار في المسائل الاجتهادية الخلافية، إنما ينكر فيما اجتمعت عليه الأمة بيقين.





4. تحريم التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني:





وهنا أوضح الشيخ أن العلماء قد اختلفوا في ذلك فمنهم من أباح ومنهم من كره ومنهم من حرم، وكانت الإباحة هي الرأي الأشهر الذي أفتى به كبار علماء الأمة، ومن أظهرهم مفتي الديار المصرية في زمنه الشيخ محمد بخيت مطيعي، مؤكدًا أن العلة التي ذكرتها الأحاديث المحرمة للتصوير، والتي لعنت المصورين: أن يضاهون خلق الله، وهذا ينطبق على التصوير المجسم، وهو ما نسميه التماثيل.





أما هذا التصوير الفوتوغرافي ـ من وجهة نظره ـ، فليس فيه مضاهاة خلق الله، وإنما هو خلق الله نفسه، انعكس على الورق المخصوص، كما تنعكس الصورة على المرآة.





· مدرسة (المعطلة الجدد) تعطيل النصوص باسم المصالح والمقاصد





والمدرسة الثانية المقابلة لمدرسة الظاهرية الجدد: المدرسة التي تغفل النصوص الجزئية، بل تتعمد الإعراض عنها، وتزعم أنها إنما تنظر إلى المصالح العامة، والمقاصد الكلية.





وهؤلاء أطلق عليهم الشيخ يوسف القرضاوي (المعطلة الجدد) إذ أنهم ورثوا المعطلة القدامى, الذين عطلوا أسماء الله تعالى من معانيها الحقيقية.





فأولئك المعطلة الجدد اجترءوا على نصوص الشرع، التي جاء بها الوحي المعصوم في القرآن العزيز، والسنة المشرفة فردوها بلا مبالاة، وجمدوها بلا أثارة من علم أو هدى.





والعجب أن هؤلاء يعطلون نصوص الشرع باسم مراعاة مصالح الخلق، وكأن شرع الله جاء ليناقض مصالح الناس، وهؤلاء يريدون ـ تحت ستار المقاصد ـ إلغاء الفقه الإسلامي كله، وإلغاء علم أصول الفقه كله، والاكتفاء بالمقاصد.





إن هؤلاء يؤلهون أنفسهم، ويعطونها حق الله تعالى في التشريع لعباده، فيحللون الحرام، ويحرمون الحلال بأهوائهم، وتزيين الشيطان لهم، فهم بهذا يريدون للناس أن يتخذوهم أربابًا من دون الله، وقد بين الشيخ سمات هذه المدرسة فأجمل ذلك فيما يلي:





1. الجهل بالشريعة.





2. الجرأة على القول بغير علم.





3. التبعية للغرب





ثم كشف الدكتور يوسف القرضاوي عن مرتكزات مدرسة المعطلة لنصوص الشريعة، وبين أنها جملة أمور تعدها المدرسة العُمد التي تبني عليها نظريتها وهي:





أولًا: إعلاء منطق العقل على منطق الوحي:





فعلى منطق عقلاني محض، تزعم من خلاله ـ مدرسة المعطلة ـ أن الله غني عن خلقه، وأنه أعطاهم العقول ليفكروا بها ويستخدموها في معاشهم ومصالحهم، لا يتركوها هملًا، فإذا اهتدت عقولهم إلى مصلحة، ووجدوا فيها الخير والنفع لهم؛ كان عليهم أن يحصلوها، ولو كانت مصادمة لنص شرعي جزئي.





وبمثل هذا المنطق يحتج هؤلاء على دعواهم في تعطيل نصوص الشريعة، فخلاصة هذا المرتكز: "هي إعلاء منطق العقل على منطق الوحي، وهم في هذا غالطون، أو مغالطون فيما يدعون".





أما غلطهم، فهو أن العقل الإنساني مهما بلغ من العلم، وارتقى في المعرفة، سيظل في حاجة إلى هدى الله، ليسدد العقل في مواطن الشبهات، ويثبته عند المزالق المضلة، وقد أوضح الشيخ ضلال العقل حينما يستقل عن هدى الله والوحي الإلهي, فأشار إلى ضلال العقل قبل الإسلام في وأد البنات وغيرها من الضلالات، ورأينا كيف وصل العقل بأصحابه في الدول التي أباحت الشذوذ والزنا والعري الكامل والمخدرات ... وأشياء كان من قبلنا يستحي من ذكرها حتى باللسان.





وأما مغالطتهم، فهي في تمويههم وإيهامهم: أن النصوص الشرعية يمكن أن تعارض المصالح البشرية، وهذا افتراض لم يقم عليه دليل.





ثانيًا: ادعاء أن عمر عطل النصوص باسم المصالح:





فقد اعتمدوا على مواقف لعمر رضي الله عنه زعموا: أنه عطل النصوص فيها حينما رآها عطلت المصالح، وهو أحد الذين أمرنا أن نستن بسنته، وزعمهم كله باطل فمثال ذلك دعواهم أن عمر ألغى سهم المؤلفة قلوبهم، وهو مصرف من مصارف الزكاة.





وهذه دعوة خاطئة كباقي الدعاوى فعمر لم يلغي السهم وإنما منع عمر أن يعطي من الزكاة أو من غيرها قومًا كانوا مؤلفين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر، ورأى عمر أنهم لم يعودوا يستحقون الأخذ من بيت مال المسلمين بهذا الوصف (المؤلفة قلوبهم) لأن الله أعز الإسلام وأغنى عنهم.





فأي نص علقه عمر أو جمده حين رفض أن يعطي أناسًا معينين؟





ثالثًا: مقولة نجم الدين الطوفي:





فهؤلاء يعتمدون كذلك على مقولة اشتهرت للفقيه نجم الدين الطوفي ادعوا عليه فيها: أنه قال ما معناه: (إذا تعارض النص القطعي في ثبوته ودلالته مع المصلحة: قدمنا المصلحة، وعلقنا النص وجمدناه ...الخ)، وقد علق الشيخ القرضاوي على نص نجم الدين الطوفي قائلًا: (ظاهر كلام الطوفي كما يبدو في بعض فقراته من تقديم المصلحة على النص، مردود عليه، وهو مما انفرد به، وأنكره عليه عامة العلماء ...الخ).





رابعًا: مقولة (حيث توجد المصلحة فثم شرع الله):





فهذه العبارة من مستندات مدرسة المعطلة وهم يدعون نقلها عن الإمام ابن القيم .. والحق أنهم لم ينقلوا كلمة ابن القيم بنصها ولفظها، فهو لم يتكلم عن المصلحة وإنما تكلم عن العدل، كما أنهم يقطعون هذه الكلمة عن سياقها الذي وردت فيه.





أما إطلاق هذه الكلمة عن ابن القيم أو شيخه ابن تيمية فلم يثبت عنهما، ومن أراد الاستزاده فليرجع لكتاب (الطرق الحكمية) لابن القيم في أثناء رده على الذين يحصرون البينة الشرعية في شهادة الشهود وحدها، ليتبين له ما وقعوا فيه من خلط ولبس.





ثم ختم الشيخ حديثه عن هذه المدرسة بالحديث عن نتائج ومواقف لفقه هذه المدرسة, مثل الهروب من النصوص القطعية, والتشبث بالمتشابهات, ومعارضة أركان الإسلام والحدود باسم المصالح.





· المدرسة الوسطية: الربط بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية





وهي المدرسة التي تسير على النهج الوسط للأمة الوسط، فهي وسط بين المدرستين السابقتين، فلا تغلو مع الغالين، ولا تفرط مع المفرطين، إنها مدرسة الصراط المستقيم التي ترفض التطرف والتسيب كليهما وتؤمن بالتوازن والاعتدال.





وتتجلى وسطية هذه المدرسة، بأنها تربط بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية، وتفهم الجزئيات في ضوء الكليات، ولا تغلو في اتباع ظواهر النصوص.





تؤمن المدرسة الوسطية ـ من وجهة نظر الدكتور القرضاوي ـ: بأن أحكام الشريعة معللة، وأنها كلها على وفق الحكمة، وأن حكمتها تقوم على رعاية مصالح الخلق.





وقد بين الشيخ وهو بصدد الحديث عن المدرسة الوسطية، سماتها وخصائصها وأجملها فيما يلي:





1. الإيمان بحكمة الشريعة وتضمنها لمصالح الخلق.





2. ربط نصوص الشريعة وأحكامها بعضها ببعض.





3. النظرة المعتدلة لكل أمور الدين والدنيا.





4. وصل النصوص بواقع الحياة وواقع العصر.





5. تبني خط التيسير والأخذ بالأيسر على الناس.





6. الانفتاح على العالم، والحوار والتسامح.





ثم بين الشيخ تلك المرتكزات التي قامت عليها المدرسة الوسطية وهي:





أولًا: البحث عن مقصد النص قبل إصدار الحكم:





وهنا يتبين لنا أن أول مرتكزات المدرسة الوسطية: أنها تجتهد في البحث عن مقصد النص الشرعي وهدفه، قبل أن تسارع بإصدار الحكم من مجرد لفظه، وذلك لا يكون إلا بطول البحث والتدبر للنصوص الواردة.





ثانيًا: فهم النص في ضوء أسبابه وملابساته:





فمن مرتكزات المدرسة الوسطية في حسن فهمها للشريعة: قراءة النص في ضوء سياقه وأسباب نزوله إن كان قرآنًا، أو أسباب وروده إن كان حديثًا، ومعرفة الظروف والملابسات التي سيق فيها الحديث، حتى لا يخطئ الدارس فهم المقصود منه.





ثالثًا: التمييز بين المقاصد الثابتة والوسائل المتغيرة:





فالمتأمل في أحكام الشريعة وأوامرها ونواهيها: يتبين له أن منها ما يقرر المبدأ المطلوب، وهو المقصود للشارع، ولا يعين له وسيلة لتحقيقه؛ لأن وسائله قابلة للتغير والاختلاف؛ باختلاف الأزمنة والأمكنة والأعراف، والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.





رابعًا: الملاءمة بين الثوابت والمتغيرات:





وهذا من مرتكزات المدرسة الوسطية أنها تلائم بين الثوابت الشرعية ومتغيرات الزمان والمكان، فأما الثوابت فلا يمكن المساس بها بحال، وهي الدائرة المغلقة التي لا يدخلها الاجتهاد، ولا التجديد ولا التطور، كالعقائد الأساسية، وأركان الإسلام العملية، وأمهات الفضائل الأخلاقية، وأمهات المحرمات القطعية، ... إلخ.





وما عدا ذلك من الأحكام الفرعية والجزئية فهو من المتغيرات، وهذه الدائرة دائرة رحبة، يدخل فيها كثير من أحكام الشريعة، وهي قابلة للاجتهاد والتجديد والتطور.





خامسًا: التمييز في الالتفات إلى المعاني بين العبادات والمعاملات:





ومن مرتكزات المدرسة الوسطية أنها تتبنى هذه القاعدة الهامة التي نبَّه عليها الإمام الشاطبي، وهي التفريق بين العبادات والعادات من ناحية الالتفات إلى المعاني والعلل والمقاصد من وراء التكليف لكل منهما، وتدليله على ذلك.





والإشارة إلى هذه القاعدة نجدها بوضوح في كتاب الموافقات للإمام الشاطبي وهي: أن الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلف، التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات (يعني: المعاملات): الالتفات إلى المعاني.





ثم ختم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حديثه عن المدرسة الوسطية، ومن ثم الكتاب بالعرض لنتائج ومواقف من فقه المدرسة الوسطية، فالمرتكزات الفكرية والعلمية للمدرسة الوسطية, ومن قبلها الخصائص والسمات التي تميزها عن غيرها والتي كان لها أثرها الواضح في اجتهاداتها ومواقفها المتوازنة في مختلف القضايا الفقهية والفكرية والشخصية والأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الدولية.





وقد وجد من فقهاء هذه المدرسة في كل عصر من وفقه الله تعالى ليفتي الأمة بما يُحبب إليها خالقها، ويرغبها في طاعته؛ نتيجة لاتباعه منهج التيسير والتبشير، الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.





ومن قرأ فتاوى العلامة المجدد السيد محمد رشيد رضا، والعلامة النجدي عبد الرحمن السعدي، والعلامة المصري محمود شلتوت، وغيرهم من الوسطيين؛ وجد فيها الروح الميسرة المعتدلة البعيدة عن التنطع، فكلها كانت تمثل التيار الوسطي المعتدل، وقد اكتفى الشيخ بنقل فتوى أو اثنين لكل واحد من هؤلاء الأعلام، تمثل اتجاه المدرسة الوسطية.

الإقتصاد الإسلامي هو البديل

باسم الله الرحمان الرحيم


الإقتصاد الإسلامي هو البديل:وبشهادة حتى الغربيين:



*بسم الله الرحمن الرحيم*



*اقتصاديون كويتيون*: توقعنا انهيار النظام الرأسمالي ولكن ليس بهذه السرعة

*اقتصاديون غربيون*: الاقتصاد الإسلامي هو الحل للخلاص من الأزمة الاقتصادية

العالمية!!



*اعداد سالم عبد الغفور:* دعت بعض الصحف والمجلات الاقتصادية المتخصصة في

أوروبا لتطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي كحل أوحد للتخلص من براثن

النظام الرأسمالي الذي يقف وراء الكارثة الاقتصادية التي تخيم على العالم.



وقد تداول العديد من المواطنين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية في الكويت هذه

المقالات عبر الانترنت جاء فيها ان رئيس تحرير افتتاحية مجلة تشالينجز بوفيس

فانسون كتب في افتتاحية العدد الصادر بتاريخ 5 أكتوبر الماضي موضوعا بعنوان

»البابا أو القرآن« أثار موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط

الاقتصادية.



فقد تساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ ودور المسيحية كديانة والكنيسة

الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا الاتجاه والتساهل في تبرير الفائدة مشيرا الى

أن هذا النسل الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية الى الهاوية.



وتساءل الكاتب ع موقف الكنيسة ومستسمحا البابا بنديكيت السادس عشر قائلا: أظن

أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة الى قراءة القرآن بدلا من الانجيل لفهم ما يحدث

بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من

تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات وما وصل بنا الحال الى

هذا الوضع المزري لأن النقود لا تلد النقود.



وفي الاطار ذاته لكن بوضوح وجرأة أكثر طالب رئيس تحرير صحيفة لوجورنال د فينانس

رولان لاسكين في افتتاحية هذا الأسبوع بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في

المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء

التلاعب بقواعد التعامل والافراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة.



الخيار البديل



وعرض لاسكين في مقاله الذي جاء بعنوان: هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ

الشريعة الإسلامية؟ المخاطر التي تحدق بالرأسمالية وضرورة الاسراع بالبحث عن

خيارات بديلة لانقاذ الوضع، وقدم سلسلة من المقترحات المثيرة في مقدمتها تطبيق

مبادئ الشريعة الإسلامية برغم تعارضها مع التقاليد الغربية ومعتقداتها الدينية.



واشارت المواقع الالكترونية أنه في استجابة فرنسية على ما يبدو لهذه النداءات،

أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية -وهي أعلى هيئة رسمية تعنى

بمراقبة نشاطات البنوك- في وقت سابق قرارا يقضي بمنع تداول الصفقات الوهمية

والبيوع الرمزية التي يتميز بها النظام الرأسمالي واشتراط التقابض في أجل محدد

بثلاثة أيام لا أكثر من ايرام العقد، وهو ما يتطابق مع أحكام الفقه الإسلامي.



كما أصدرت نفس الهيئة قرارا يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية

بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامي في السوق المنظمة الفرنسية مشيرة ان الصكوك

الإسلامية هي عبارة عن سندات إسلامية مرتبطة بأصول ضامنة بطرق متنوعة تتلاءم مع

مقتضيات الشريعة الإسلامية.



وتشير الرسائل المتبادلة عبر الانترنت الى عدد من الشهادات المنسوبة الى عقلاء

الغرب ورجالات الاقتصاد تنبه الى خطورة الأوضاع التي يقود اليها النظام

الرأسمالي الليبرالي على صعيد واسع، وضرورة البحث عن خيارات بديلة تصب في

مجملها في خانة البديل الإسلامي.



*التمويل الإسلامي*



ففي كتاب صدر مؤخرا للباحثة الايطالية لووريتا نابليوني بعنوان اقتصاد ابن آوى

أشارت فيه الى أهمية التمويل الإسلامي ودوره في انقاذ الاقتصاد الغربي.



واعتبرت نابليوني أن مسؤولية الوضع الطارئ في الاقتصاد العالمي والذي نعيشه

اليوم ناتج عن الفساد المستشري والمضاربات التي تتحكم بالسوق والتي أدت الى

مضاعفة الآثار الاقتصادية.



وأضافت أن التوازن في الأسواق المالية يمكن التوصل اليه بفضل التمويل الإسلامي

بعد تحطيم التصنيف الغربي الذي يشبه الاقتصاد الإسلامي بالارهاب، ورأت نابليوني

أن التمويل الإسلامي هو القطاع الأكثر ديناميكية في عالم المال الكوني.



وأوضحت أن المصارف الإسلامية يمكن أن تصبح البديل المناسب للبنوك الغربية، فمع

انهيار البورصات في هذه الأيام وأزمة القروض في الولايات المتحدة فان النظام

المصرفي التقليدي بدأ يظهر تصدعا ويحتاج الى حلول جذرية عميقة.



وذكرت انه منذ عقدين من الزمن تطرق الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في

الاقتصاد موريس آلي الى الأزمة الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة

الليبرالية المتوحشة معتبرا أن الوضع على حافة بركان، ومهدد بالانهيار تحت وطأة

الأزمة المضاعفة »المديونية والبطالة«.



واقترح للخروج من الأزمة واعادة التوازن شرطين هما تعديل معدل الفائدة الى حدود

الصفر ومراجعة معدل الضريبة الى ما يقارب %2. وهو ما يتطابق تماما مع إلغاء

الربا ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي.



وأدت الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي الى افلاس عدد من البنوك كان

آخرها بنك واشنطن ميوتشوال الذي يعد أحد أكبر مصارف التوفير والقروض في

الولايات المتحدة.



وتأثر ميوتشوال -الذي يعتبر سادس مصرف في الولايات المتحدة من حيث الأصول-

بالأزمة العقارية وتدهورت أسهمه في البورصة الى الحد الأقصى.



ويعتبر هذا المصرف أحدث مؤسسة عملاقة في عالم المال الأمريكي تنهار بسبب الأزمة

في أقل من أسبوعين بعد مصرفي الأعمال ليمان براذرز، وميريل لينش، اضافة الى

مجموعة التأمين ايه آي جي.



الرأسمالية ولدت بأسس خرابها



ومن جانبه قال مدير وحدة الاقتصاد الإسلامي في كلية العلوم الادارية د.محمد

القطان ان الاقتصاد الرأسمالي ولد بأسس خرابه.



واضاف القطان في تصريحات خاصة لـ »الوطن« ان الامر الغريب ليس انهيار النظام

الرأسمالي لأنه كان متوقعا من الاقتصاديين الغربيين والمسلمين على حد سواء ولكن

المستغرب هو انهياره بهذه السرعة وبشكل مفاجئ.



واشار الى مشكلة الديون والفوائد هي اساس خراب هذا النظام حيث يتم اقراض

الدولار 7 مرات وصلت خلال الأزمة الحالية الى 39 مرة.



واكد ان جميع المفكرين الذين يعترفون بالاخلاق قالوا ان هذا النظام زائل مؤكدين

على ان الفائدة لا تنمي المال لافتا الى ان الاقتصاد الإسلامي هو الحل.



وقال القطان ان الشركات والمؤسسات الإسلامية سوف تخرج من هذه الأزمة سالمة دون

اضرار ما عدا التي لم تلزم بأصول الاقتصاد الإسلامي ووقعت في اخطاء منوها الى

ان خسائر تلك الاخطاء سوف تكون قليلة مقارنة بالاثار المدمرة على الاقتصاد

العالمي.





*الرأسمالية تهرول إلى الهاوية*



وقال استاذ ادارة الاستثمار في الجامعة الامريكية العالمية بدبي سابقا وعضو

جمعية قيادات الاعمال والتجارة العالمية بأمريكا د.محمود حاجي ان الاقتصاد

الاشتراكي اضمحل والدول التي تتمسك به تعاني الفقر والرأسمالي اصبح يهرول نحو

الهاوية.



واضاف حاجي ان الاقتصاد الإسلامي هو البديل لأنه اقتصاد الواقع والحقيقة ويعتمد

في تعاملاته على المادة والسلعة ثم المادة مرة اخرى بعكس الرأسمالي الذي يعتمد

على المادة والمادة وثالثهما الخيال والوهم.



واكد حاجي ان الاقتصاد الإسلامي هو السبيل للخلاص من النظام الرأسمالي ومفاسده

والاحتكار وتضخم الائتمان الذي يعتمد على التقييم غير الواقعي للأصول.



واشار الى ان انهيار الشركات والمؤسسات الغربية هو نتيجة مباشرة لتقييمها بشكل

متضخم على الورق واعلى من قيمتها الحقيقية استناد االى ما تملك وما لا تملك وما

سوف تملك مستقبلا.



واوضح ان الاقتصاد الإسلامي لا يتعامل مع التوقعات والمراهنات على الشراء

والبيع ومن امثلتها »شورت سيل« و»لونج سيل« و»البيوع المستقبلية« بالبورصات

ولكن يعترف فقط بالبيع والشراء الواقعي.



ودعا الاقتصادات الغربية الى التقرب من الاقتصاد الإسلامي باعتباره المنقذ من

الأزمة الحالية والتخلي عن النظرة العنصرية مؤكدا انه قادر على اخراجها سالمة

من الزلزال الذي يضرب الاقتصاد العالمي.